كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وإن الإضراب الانتقالي مؤداه أنه انتقال من لوم وتوبيخ إلى لون آخر فيه أشد تأنيبا، وأبعد استنكارا وكلمة (جَعَلَ الْأَرْضَ)، أي خلق الأرض، ومهدها تمهيدا، بحيث جعلها ذات قرار وإقامة، واستمكانا للأحياء يمكنون فيها ويتخذون مساكن، من البناء أو الأخبية، وجعل من خلالها أنهارا أي في أوساطها وأجزاء منها أنهارا مياها عذبة تكون ذات مناظر بهيجة، وتلطف حرارتها، وترطبها، وتذهب بجفافها، وتكون منها المياه العذبة، منها إنبات الزرع وفلق الحب والنوى، والكلأ الذي يأكل منه الحيوان، وتتغذون به، وتكون منه إبلكم التي فيها جمال حتى تريحون، وحين تسرحون.
(وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ) أي جبالا رواسي ثابتة تثبت الأرض، وهي لها كالأوتاد، وتنحتون فيها بيوتا، ويكون فيها مزارع وأشجار ونخيل، بل غابات تحمي الأنفس، كما نرى في جبال الجزائر وجبال الشامات، وفيها جبال جرد وغرابيب سود، أي أن فيها متعة ومنعة، وقوة بأس.
وما في الأرض اجتماع المياه العذبة والمياه التي فيها ملح أجاج، وتجاورهما من غير أن يختلط أحدهما بالآخر، بل يكون العذب الفرات بجوار الملح الأجاج، ومع تجاورهما لَا يختلطان كأن بينهما بقدرة اللَّه القادر القهار، حاجزا يحجز أحدهما ذا الثقل وهو الملح عن الأخر الخفيف، ولذا قال تعالى: (وَجَعَلَ بَيْن الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا) أي جعل بين بحر العذب الفرات والبحر الأجاج حاجزا ربانيا لا يجعل أحدهما يختلط بالآخر، كما قال تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20).
هل يستوي خالق هذا، ومبدع الأرض ذلك الإبداع مع أوثان لَا تضر ولا تنفع، ولذا قال تعالى نافيا عنها الألوهية (أَإِلَهٌ معَ اللَّهِ) الاستفهام إنكاري لإنكار الوقوع، والمعنى لَا إله مع اللَّه، بل هم قوم لَا يعلمون، ومن للإضراب الانتقال وهم لَا يعلمون، أي لَا علم لهم، ويتجدد جهلهم بتجدد أفعالهم، ولذلك كان التعبير بالمضارع الدال على التصوير، وتجدد الفعل بتجدد أفعالهم وإنكارهم.

الصفحة 5472