كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)
أم: أيضا للإضراب الانتقالي، وفيها معنى الاستفهام، والمضطر افتعال من الضرر، والافتعال دال على شدة الضرر، والمعنى من يقع في الضرر الملجئ للالتجاء إلى اللَّه تعالى ولا يجد منقذا للمستصرخ سواه. أمن يجيب المضطر إذا دعاه، ولجأ إليه ضارعا مستغيثا به داعيا له، وإذا دعاه كشف عنه الأمر الذي يسوءه (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ)، أي أنه ينعم عليكم بنعمتين أولاهما كشف الضر، والثانية يجعلكم الورثة لهذه الأرض ترثون سكانها وزرعها وثمارها، وسلطانها، فتكونون من المحكمين المسلطين فيها، وهذه نعمة عليكم إن شكرتموها، فقمتم في حقها بالعدل والقسطاس المستقيم، وهي نقمة اللَّه تعالى إن ظلمتم، وأفسدتم وأقمتم الباطل بدل الحق، أيكون من مكنكم ذلك التمكن خيرا، أم الأوثان، وقد دل على الحق بقوله سبحانه أإله مع اللَّه، أي لَا إله مع الله، ولكنكم لَا تتذكرون الحق، ولا تعتبرون، ولذا قال: (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) والتأكيد قلة التذكر، أي قليلا أي قلة تتذكرون وتعتبرون وتدركون فضل العقل على الهوى، والفكر على الإهمال.
(أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)
أم: أيضا للإضراب الانتقالي، ومن دالة على الاستفهام مع تضمن أمْ له، ومعنى الهداية في ظلمات البر والبحر أن النجوم المسخرة في السماء تكون هادية مرشدة في البر والبحر، ففي البرّ تهديكم وأنتم في مراكب الصحراء، التي تعد كسفن فيها، وفي البحر تهدي السفن الماخرة في عباب البحر الجارية على سطح الماء. قوله تعالى: (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)، أي أن اللَّه هو الذي يرسل الرياح من الشرق والغرب مبشرة بالماء الطاهر الذي يكون من المطر، الذي يخرج الخبء، وتبنت به النبات بإذن اللَّه تعالى، وإن ذلك كله بعمل اللَّه سبحانه

الصفحة 5473