كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وإنه مع أن البعث جاء لَا محالة تكفل سبحانه وتعالى، برزقهم في الفترة التي يعيشونها، فرحمة اللَّه سابغة دائما، ولذا قال تعالى: (وَمَن يرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) أي يرزقكم من السماء بنجومها المسخرات التي تهديكم في ظلمات البر والبحر، والشمس بأشعتها الواقية والهادية، والقمر بنوره الذي ينير لكم في جوف الليل البهيم، والمطر الذي ينزل من السحاب فنحيي الأرض، ويرزقكم من الأرض بمعدنها وأفلاذها، ونباتها، وحدائقها ذات البهجة والجمال.
لا يستوي اللَّه الخالق المبدع مع الأوثان، ثم قال تعالى: (أَإِلَهٌ معَ اللَّهِ) أي لا إله مع اللَّه، وقد انتقل القرآن من بيان ما يوجب عبادة اللَّه تعالى إلى مطالبتهم بأن يأتوا بدليل يسوغ عبادة الأوثان، آمرا نبيه بأن يطالبهم بدليل يسوغ حالهم التي هم فيها من عبادة غيره. (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتمْ صَادِقِينَ) البرهان هو الدليل العقلي المنطقى، أي هاتوا دليلا فعليا منطقيا يسوغ لكم عبادتها إن كنتم صادقين في استحقاقها للعبادة.
طالبهم القرآن الكريم بالبرهان العقلي، ولكنهم لَا يمكن أن يأتوا به، لأنه لا يمكن أن يكون ثمة دليل علمي منطقي يسوغ عبادة أحجار لَا تملك نفعا، ولا ضررا، وهي في ذاتها أقل في وجودها ممن يعبدونها، ولكنه ضلال الأوهام.
(قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
علم الإنسان حسي حاضر غير مغيب، لأنه لم يؤت علم الغيب إلا اللَّه تعالى، ومن يشاء سبحانه أن يعطيه أحدا من عباده والعلم بالغيب هو العلم مما أكنه اللَّه تعالى في الوجود في قابل الأمور، لَا في ماضيها، فالماضي يعرف بالكتابة أو القراءة أو نحو ذلك، وقد أمر اللَّه تعالى نبيه بأن يبين لقومه أنه لَا يعلم الأمور الغيبية إلا اللَّه، فقال: (قُل)، أي يا رسولي: (لَّا يَعْلَمُ من فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)، و (مَن) هنا للعاقل، وإذا انتفى الغيب عن العقلاء فهو عن غيرهم أنفَى، والغيب مفعول به ومن هنا تشمل العقلاء جميعا من يكونون في

الصفحة 5475