كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

السماوات والأرض فيدخل في العموم الملائكة، والجن والإنس، والاستثناء متصل فهو ليس منقطعا، بمعنى لكن، وإن كان قد ادعى بعض المفسرين ذلك، وإن علم الإنسان في محيط وجوده وهو يحسب أن علمه هو ما يشعر به وحده ولا أحد غيره، حتى إن الأعمى، ما كان ليشعر بعلم المبصرين لولا تضافر الناس على نقص علمه، وكذلك الأصم، ولذا قال تعالى: (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعثُونَ)، أي في أي وقت يبعثون، لَا يشعرون في أي وقت يبعثون، والشعور علم يقارب الحس المتلمس، أي ما يحسون في أي وقت يبعثون، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ. .). وإنه يستفاد من هذا أن علم الغيب هو العلم بما يقع في المستقبل لَا بما هو واقع في الماضي أو الحاضر.
يروى في ذلك أنه دخل على الحجاج بن يوسف الثقفي منجم فاعتقله، فأخذ حصوات فعدها، ثم قال: كم في يدي من حصاة، فحسب المنجم، ثم قال: كذا، فأصاب، ثم اعتقله فأخذ حصوات لم يعدهن ثم قال: كم في يدي، فحسب وأخطأ، ثم قال أيها الأمير أظنك لَا تعرف عددها، وقال: لَا، قال فإني لا أجيد العد. قال فما الفرق؛ قال إن ذلك أحصيته فخرج عن حد الغيب، وهذا لم تحصه فهو غيب، ولا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا اللَّه.
ولقد أخرج مسلم عن عائشة أنها قالت: " من زعم أن محمدا يعلم ما في غد، فقد أعظم الفرية على اللَّه تعالى، يقول (قُل لَا يَعْلَمُ مَن في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) ".
(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
فيها عدة قراءات في لفظ (ادَّارَكَ) فقرئت من غير مد (أدَّرك) وقرئت (أدرك)، وكلها قراءات يتقارب معناها، ولا يتباعد، ولنا أن (ادَّارَكَ) أصلها تدارك قلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال وأتى بهمزة الوصل ليمكن الابتداء بالساكن، ومعنى ادارك تلاحق وتضافر العلم، ولنا فيها تخريجان، وكلاهما معقول:

الصفحة 5476