كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

بعد أن ندفن، ولذا قال تعالى عنهم: (أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ)، أي أننا نخرج من القبور، بعد أن دفنا فيها، وصرنا في ضمن أجزائها، ولا منفصل عنها، فكيف يتميز خلقنا عن خلقها، وقد أكدوا عدم الخروج بتكرار الاستفهام، كأنه في ذاته أمر غريب، وزكوا الاستفهام المانع باللام والوصف، أي أنكون مخرجين حقا وصدقا، وخروجا مؤكدا.
وقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كان الإظهار في موضع الإضمار، فلم يقل وقالوا؛ وذلك لأن الصلة وهي الجحود والكفر هما الإنكار، واستغراق المادة لهم، حتى إنهم لَا يفكرون قط في أمر معنوي، ولا أمر غيبي فقد استغرقتهم المادة حتى صاروا لَا يؤمنون إلا بها.
(لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
هذه الآية تدل على أن المشركين في مكة كانت عندهم بقايا من الديانات، وخصوصا ملة إبراهيم، ولكن نفوسهم مرنت على الإنكار واستمرأت الجحود، واستغرقتهم المادة، فلا يؤمنون إلا بما يوائمها ويوافقها، وذلك بقولهم (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ)، أي قبل أن يجيء محمد، وأكد الوعد باللام، وبـ قد، وينتقلون من الإنكار المطلق إلى ادعاء كذب هذا الوعد، وكان من أبيهم مكان شرفهم الذي يعتزون، به ويقولون (إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (إنْ) نافية، والمعنى ما هذا إلا أساطير الأولين اكتتبها، فهي تملى عليه بكرة وأصيلا.
وهكذا يشتطون في القول حتى ليصلوا إلى اتهام إبراهيم مناط شرفهم وعزتهم بأنه يأتي بأساطير. بقي أن يذكرهم سبحانه بما نزل بمن كانوا على إنكارهم فقال عز من قائل:
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)
الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أمر للتذكير بالعذاب الذي نزل بإخوانهم، وقريب منهم آثار عاد وثمود وأصحاب الأيكة، وقوم لوط وغيرهم.

الصفحة 5479