كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

والسير في أراضي هؤلاء للاعتبار والعظة، والعلم بما أنزله اللَّه تعالى بهم، ولذا قال تعالى: (فَانظُرُوا) نظرات عظة واعتبار ومعرفة بأنه سينزل بهم مثل ما نزل بهؤلاء لأنه إذا تساوت الأسباب فالنتيجة واحدة.
وقوله (فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)، الفاء: عاطفة للترتيب والتعقيب أي أن نتيجة السير أن تنظر نظرات اعتبار إلى عاقبة المجرمين، وما آل إليه أمرهم بعد أن طغوا في البلاد، وأكثروا فيها الفساد، وعبر بالمجرمين لبيان آثار إجرامهم في الأرض ونهايته، ولبيان أن المؤمنين مهما يكونون ضعفاء لَا يمكن أن يكونوا مجرمين.
(وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)
إذا كانوا يسيرون في الأرض ليريهم عاقبة المجرمين فذلك إعلام لهم بأنهم مثلهم وسينزل بهم مثل ما نزل بغيرهم، ولأنهم ضالون مثلهم، ولا شك أن ذلك يحزن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)؛ ولذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ هم قومه وعشراؤه، إذ قال تعالى: (ولا تحزن عليهم) قيل أي لَا تحزن، على كونهم، وإني أرى أن الحزن عليهم هم لأنهم قومه، وقد قال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128).
(وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) الضيق الحرج الشديد، ومما يمكرون أي يدبر التدبير الخبيث من إيذاء المؤمنين والاستهزاء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتدبير المكائد من مثل مقاطعتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وعزل المؤمنين الموالين لمحمد صلى اللَّه تعالى عليه وسلم في شِعْب قريش ونحو ذلك، وهذا كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. .).
إن اللَّه عاصمك مهما تمالئوا عليك.
(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71)

الصفحة 5480