كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الضمير يعود إلى الكفار وهو يدل على تعنتهم، وإعناتهم لأنفسهم، ويتحدون اللَّه ورسوله، أن ينزلوا بهم ما وعدهم من عذاب ويستفهمون قائلين، متى هذا الوعد؛ والاستفهام لَا يخلو من استنكار وتهكم على الوعد، إن كنتم صادقين في إيعادكم، وشككوا في صدقهم ولذا كان التعليق بـ إن التي لَا تدل على تحقق الشرط، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرجو الإيمان من أصلابهم، ومن غير العقول أن ينزل اللَّه بهم عذابا دنيويا ساحقا، والنبي بينهم، كما قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنتَ فِيهِمْ. .).
وقد ذكر سبحانه أنه سينالهم عذاب شديد، ليس من قبيل السحق والإبادة، بل يكون من قبيل المنازلة، ولذا قال سبحانه:
(قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
أي قل لهم يا محمد: لَا تستعجلوا العذاب، وعسى أن يكون ردف لكم، أي دنا منكم، وصار ردفا لكم قريبا منكم بعض الذي تسعجلون. وذكر بعض الذي يستعجلونه دون العذاب الساحق الماحق، كما كان لعاد وثمود وأصحاب الأيكة؛ لأن اللَّه تعالى يتولى تأديبهم في الحياة الدنيا، بالغزوات المؤدبة لهم كغزوة بدر، والخندق، والحديبية وفتح مكة، لأنه سبحانه يريد أن يجعل من ذريتهم من يعبد اللَّه ويجاهد في سبيله كما كان خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما.
والتعبير بـ عسى، ولعل، ونحو ذلك من العبارات يراد به توكيد الوقوع كما تجري عبارات الرؤساء والأقوياء، وأهل السلطان، وقد بين سبحانه أن نزول بعض ما تستعجلون من فضله ورحمته، فقال:
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)
أي أن نزول بعض ما يستعجلون هو من فضل اللَّه على الناس من المشركين من أهل مكة، ورحمة بهم ليكون في لاحقهم إن تعذر أن يكون في بعض حاضرهم، ولكن أكثر الناس لَا يشكرون تلك النعمة المزجاة إليهم، ولا يعرفون حقها، واللَّه من ورائهم محيط
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)

الصفحة 5481