كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
ْففهم الشافعي من هذا أن اختلاف المطالع يعتبر، بحيث لَا يكلف أهل مطلع، إلا على مقتضى مطلعهم، وإني أرى من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن العبرة بمطلع مكة؛ أولا: لأنه كان بمكة ولم يعتبر برؤية الشام وثانيا: لأن مكة قبلة المسلمين يتوحدون عندها، فيكونون كالدائرة حولها، وثالثا: أن هلال ذي الحجة لا يعد إلا بهلالها، ويوم عرفة وأيام التشريق وغيرها لَا يعتد إلا بها، ولأنها مجتمع الوحدة في الصلاة والحج فتكون مجتمع الوحدة الإسلامية في الصوم.
هذا رأى رأيناه وعرضناه والله أعلم بالصواب.
وإن شرعية صيام رمضان مع الرخص التي تسوغ الإفطار هو من تيسير أداء الفريضة؛ ذلك أن من شأن هذه الشريعة أنها إذا كلفت تكليفا فيه مشقة فتحت باب الترخيص ليسهل الأداء وليداوم عليه ويستمر من غير تململ، ولا تحمل المكلفين على أقصى المشقات ولذا قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكمُ الْيسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعسْرَ)، وهذا النص الكريم فيه إشارة إلى تعليل هذه الرخص، وفيه إشارة إلى الوصف العام لشرع الله تعالى، الذي دعا إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يسروا ولا تعسروا وما خير النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن معصية، وقال تعالى: (وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. . .)، ولمقام التعليل في قوله تعالى: (يُرِيد اللَّهُ بكمُ الْيسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، عطف عليه تعليل آخر، وهو قوله: (وَلِتكْمِلُوا الْعِدَّةً) أي لتتموا عدة الشهر في يسر من غير إعنات، وهنا فعل محذوف تقديره، شرع لكم ذاك التيسير لكيلا يكون حرج وضيق في صومكم، ولتكلموا العدة أي لتستطيعوا أداء العدد كاملا غير منقوص بالأداء لمن لَا عذر له، وبالأداء مع القضاء من أيام أخر لمن كان ذا رخصة تجيز الفطر وتوجب القضاء، فتكون عدة الشهر قد كملت، أداء وقضاء أوأداء فقط لمن له عذر.
(وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)، ولتتجهوا إلى الله مكبرين ضارعين إليه جل جلاله على هدايته لكم بأن وفقكم للإيمان بدل الكفر، وبأن مكنكم من أداء الواجب كاملا.
الصفحة 560
5482