كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 2)
إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
* * *
إن شهر رمضان شهر التجرد الروحي، والاتجاه إلى الله تعالى، فقد كتب الله تعالى علينا صيامه، وسن - صلى الله عليه وسلم - قيامه، وسن - صلى الله عليه وسلم - الاعتكاف في المساجد، وإن المؤمن إذا تجرد ذلك التجرد كان الله تعالى ملء قلبه وناجى ربه سرا وعلانية، وذكره خفية وجهرة، ودعا ربه ضارعا إليه، وقد وعده الله تعالى بإجابة دعائه، وأنه قريب منه وأنه مستجيب له لأنه استجاب له؛ ولذا قال تعالى:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) وإن العبد إذا أحس بعظمة الله تعالى، وامتلأ قلبه بخشيته أحس بأنه عونه، وأنه سنده، وإن أولئك الذين يشكرون لله تعالى نعمته في شرعه الرخص بجوار العزائم يتجهون إلى الله تعالى، وكأنهم يسألون قربه ليصل دعاؤهم فقامت حالهم مقام سؤالهم، أو هم سألوا فعلا؛ ولذا قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) جعل سبحانه الشرطية تتعدى بإذا - الدالة على تحقق السؤال وقد كان بحالهم الخاشعة الضارعة الطالبة، وقال سبحانه عن السائلين بحال نفوسهم: " عبادي أي " الذين يشعرون بحق العبودية ويرتضونها طيبة نفوسهم راضية خائفة قلوبهم فإذا سألوك فإني قريب منهم قرب نفوسهم بإِحساسهم بمقام العبودية وأنا قريب منهم بالربوبية ثم قال سبحانه عن نتيجة هذا القرب: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) أي أن هذا القرب ليس قرب مكان ولكن قرب إجابة ورضا ورحمة وكأنه سبحانه وتعالى يقول: ادعوني أستجب لكم كما قال في آية أخرى: (وَقَالَ رَبُكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، وهذا يدل على أن الدعاء عبادة إذ قال عن الذين لَا يدعون: (إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي): فالدعاء عبادة وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " الدعاء مخ
الصفحة 562
5482