كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 2)

ينام أنه قد انتهك حرمة الصوم، فرد الله تعالى ذلك الزعم بقوله تعالت حكمته: (أُحِلَّ لَكمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ)، والرفث ذكر ما يكون بين الرجل والمرأة من جماع ومقدماته ونحو ذلك من القول، وهو هنا كناية عن الجماع كما يكنَّى بلفظ لامستم النساء عن الجماع، وكذلك بلفظ لمستم.
وقول الله تعالى (إِلَى نِسَائِكُمْ) لتضمُّن الرفث معنى الإفضاء إلى النساء بجماعهن كما قال تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21).
وقد بين الله تعالى صلة الرجل بأمرأته بأدق عبارة وأرق قول، فقال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لكُمْ وَأَنتمْ لِبَاسٌ لهُنَّ) اللباس ما يستر البدن للرجل والمرأة، فالعلاقة بين الزوجين تجعل الزوجة كأنها لباس لزوجها تستره، وتمس جسمه وتكون منه بمنزلة الشعار والدثار (¬1)، وهو لها كأنه لباس يسترها، ويكون منها بمنزلة الشعار والدثار يلامس جسمها جسمه، فتكون المشاعر التي تثير وتهيج.
وإن هذا اللفظ يدل على الحاجة الحسية من الرجل لامرأته، ومن المرأة لزوجها، والحاجة النفسية والرباط الروحي الذي يربط بينهم بالمودة والرحمة، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً. . .).
وقد بين الله تعالى أنهم كانوا يكلفون أنفسهم ما لم يكلفوا، فكانوا يمتنعون عن مباشرة النساء ظانين أن ذلك غير حلال لهم فقال تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ
¬_________
= هَذِهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] [رواه البخاري: كتاب الصوم (1782)].
(¬1) الشِّعار: ما ولي شَعَرَ جَسَد الإِنسان دون ما سواه. والدثارُ: الثوب الذي يُسْتَدْفَأ به من فوق الشعار. وفي المثل: هم الشعارُ دون الدثارِ؛ يصفهم بالمودّة والقرب. لسان العرب.

الصفحة 565