كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 2)

تَخْتَانُوْنَ أَنفُسَكُمْ) " أى تخونون باستباحة ما أحل الله لكم إذ تضطرون بحكم العلاقة الشرعية والإنسانية أن يكون منكم لأزواجكم ما يظنونه ممنوعا، وهو غير ممنوع فتاب عليكم من هذا الظن وبين لكم أنه حلال قال تعالى آمرا بإباحة المباشرة، وحدا لميقات الصوم (فَالآنَ بَاشِرُوهنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكمْ).
المباشرة كناية عن الجماع، ككناية الملامسة، والرفث إليهن، ولكنها أقرب إلى الصراحة من الملامسة والمس. وابتغاء ما كتب الله تعالى هو ابتغاء الولد حفظا للنسل، وعمارة للكون بالإنسان الذي هو الخليفة في هذه الأرض، فالنكاح ما شرعه الله تعالى إلا لابتغاء ذلك لَا لمجرد الشهوة، وإن الله تعالى قد أودع غرائز الإنسان ما ينوط به تكليفه فأودع فيه الشهوة ليسهل وجود النسل وتكاثره، وإن الأسرة تكليف شديد، ويتعلق به تبعات كثيرة من تربية الأولاد، والإنفاق وحضانتهم، وحمله كرها ووضعه كرها، وحمله وهنًا على وهن، وغير ذلك من المشاق الظاهرة ولولا الشهوة الدافعة ما تزوج ولا تزوجت، ولكن الله تعالى لحكمته، ولما كتبه من البقاء للإنسان ركب فيه هذه الغريزة الجنسية لتدفعه إلى الزواج راغبا ولطلب الولد محبا. والذين يدعون إلى الحد من النسل وأن تكون الشهوة للشهوة لَا لطلب الولد، محاربون للفطرة، وينحدرون إلى درك دون الإنسان، بل دون الحيوان.
وذكر نعمة الولد وقال: (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)، أي ما قدر الله تعالى لكم من ولد وهذا إشارة إلى أن الولد، رزق كتبه الله تعالى لكم، فأكرموه؛ لأنه عطاء الله واحفظوه لأنه أمانته التي كتبها لكم وائتمنكم عليها.
وحدَّ الله تعالى ميقات الإفطار والصوم، فقال تعالت كلماته: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَى يَتَبَيَنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ).

الصفحة 566