كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 2)

والخيط الأبيض هو خيط الفجر يشق السماء بنور كالخط ثم ينتشر ذلك الخط شيئا فشيئا حتى يختفي الظلام ويكون النهار. . والخيط الأسود ما يكون حول ذلك الخط الأبيض من ظلام وقوله من الفجر من هنا بيانية أي أن الخطين يبدوان في الفجر وهو ابتداء النهار وهو ابتداء الصوم؛ ولذا قال تعالى: (ثُمَّ أَتِمُوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي إلى غروب الشمس فالخط الأبيض في سواد الليل هو نهاية الأكل والشرب وكل المباحات في الإفطار وابتداء المنع بالصيام حتى يكون الغروب، وبذلك حد الوقت للإفطار وللصوم معا.
وإنه في العشرة الأخيرة من رمضان يستحب الاعتكاف في المسجد بأن يبقى فيه متعبدا متنسكا لَا يخرج منه إلا لحاجة ضرورية ويعود فور زوالها ويمنع من النساء؛ ولذا قال تعالى: (ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ).
وبهذا أشار سبحانه وتعالى إلى استحسان الاعتكاف وهو سنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه بهذا البيان الحكيم قد حد الله تعالى ما يحل وما لَا يحل ووقت الحل ووقت الصوم، وحد ميعاد الصوم وميعاد الفطر؛ ولذلك قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تقْرَبوهَا) فالتزموها ولا تقاربوا الابتداء ولا الانتهاء، أو لَا تقربوها بمعنى لَا تعتدوا عليها فتمتنعوا حيث لَا يجوز المنع كالامتناع عن الأكل والشرب، ثم قال تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلناسِ لَعَلَّهُمْ يتَّقُونَ) أي كذلك البيان الذي بين فيه الصوم ورخصه وعزائمه وحدوده وما يجوز فيه وما لَا يجوز ولا بيان كهذا البيان، يبين الله تعالى الأحكام والتكليفات رجاء أن يتقوا الله تعالى ويجعلوا وقاية بينهم وبين غضبه سبحانه وتعالى وينالون رضوانه.
فقوله تعالى: (لَعَلَّهُمْ يتَّقُونَ) لعل فيه للرجاء، والرجاء من العباد لَا من الله تعالى؛ لأن الرجاء معنى لَا يليق بذات الله العلية الذي جل علمه وتنزهت ذاته.
وهذا يفيد أن كل التكليفات الشرعية وخصوصا العبادات لتربية النفس المؤمنة على التقوى، وإيداع المهابة من الله تعالى في قلوب العباد فلا يجترئون فينتهكوا حرمات الشهر الذي عظمه الله تعالى، وجعله مباركا، وأنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
* * *

الصفحة 567