كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

الضلال يبتدئ من حمد غير الله، والثناء عليه، ثم ينقاد من بعد ذلك إلى ما يخرجه عن طاعة الله، فلا حمد إلا لله ولا ثناء إلا لله.
وإن الحمد إنما هو ابتداءً على ما أنعم الله تعالى على الوجود الكوني والإنساني من غير وجود فيكون الحمد له وحده، وتُقرأ كلمة " الحمد لله " برفع الدال. والمعنى: الحمد الثابت الكامل المستغرق لكل صنوف الحمد هو لله وحده، ولا يحمد سواه؛ لأن كل نعم هذا الوجود الكوني والإنساني لله تعالى، فكل خير الوجود منه وإليه.
وهناك قراءة بفتح الدال على أنه مصدر، ومنصوب بفعل محذوف، ويكون المؤدَّى للقول: احمَدِ الحمدَ كلَّه لله تعالى، فلا تحمدْ سواه، وإن حمد سواه شرك لما ذكرنا من أن الحمد ذاته عبادة، وهذه القراءة تفيد تجدد الحمد آنًا بعد آنٍٍ بالتذكير بنعم الله تعالى وآلائه، والقراءة السابقة تفيد دوام الحمد، كما تدل على ذلك الجملة الاسمية؛ لأنها تفيد الاستمرار.
وإني أرى أن القراءات المتواترة كلها لَا تتباين، ولا تتضارب، بل تتلاقى، وتكمل واحدة معنًى في الأخرى، فبالجمع بين القراءتين يكون معنى النص السامي: اجعل الحمد دائما مستمرا ومتجددا؛ ليكون القلب دائما عامرا بذكر الله تعالى.
(رَبِّ الْعَالَمِينَ) في هذا الوصف للذات العلية إشارة إلى سبب الحمد الكامل، الدائم المستمر المتجدد؛ لأنه هو المالك والسيد، والمربي لهم والرقيب عليهم، الذي ميزهم بالنعم المستمرة، والآلاء المتكررة التي لَا تنقطع أبدا.
فالرب هو المالك وهو السيد، وهو المصلح والمدبر، والجابر والقائم على كل شيء، الذي يسير الوجود كله بحكمته وبقدره وإرادته.

الصفحة 57