كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 2)

لا ينظْر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكمٍ " (¬1)؛ ولذا قال تعالى (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا).
قيل إن بعض العرب كان إذا أحرم، لَا يدخل بيته من بابه وإنما يدخل من ظهره، قال ابن عباس في رواية عنه كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج، فإن كان من أهل المدر (أي البيوت المبنية بالآجر) نقب في ظهر بيته نقبا،، فمنه يدخل ومنه يخرج، أو يضع سلما فيصعد منه ويحدر عليه، وإن كان من أهل الوبر (دار أهل الخيام) يدخل من خلف الخيمة.
وقالوا إن الآية نزلت لإبطال هذه العادة التي كانت بقية من بقايا الجاهلية، وبين أن هذا ليس من الإسلام؛ لأن هذه أمور شكلية لم يأمر بها الله تعالى، وكل ما لم يأمر به الله تعالى ويتخذ على أنه عبادة يكون بدعة محرمة وخصوصا إن كان له صلة بالعبادة.
هذا هو التخريج الذي يتفق مع بعض المأثورات وإن كانت لم تثبت صحتها على وجه الجزم واليقين.
وهناك تخريج آخر، وهو أن هذا الكلام تصوير للذين يسألون عن الأهلة، ولا يعنون بصلتها الشرعية من حيث إنها مواقيت للناس والحج، من حيث إنهم مثل الذين ينظرون إلى أمور من ظواهر الشرع، فلا يأتون الأمور من بابها، وهو ما يتعلق بالقلب فهم لم يدخلوا الأمور من بابها بتساؤلهم عن الأهلة، وأخذوها من غير بابها، وقد قال في ذلك الراغب في تفسيره قال الله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) بأن تطلبوا الأمر من غير وجهه، وذلك أنه يقال إن فلان أتى الأمر من غير وجهه، وجعل ذلك مثلا بسؤالهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لما هو ليس من العلم المختص بالنبوءات وإن ذلك عدول عن النهج، وذلك أن العلوم ضربان: دنيوي يتعلق بأمر المعاش لمعرفة الصنائع، ومعرفة حركات النجوم ومعرفة المعادن والنبات،
¬________
(¬1) عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " إِن الله لَا يَنظُرُ إِلَى صُوَرِكم وَأمْوَالكُمْ، وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأعمَالِكُم ". [رواه مسلم: كتاب البَر والصلة (4651)].

الصفحة 574