كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ)، وإطلاق الاستعانة من غير متعلّق بذكر المستعان عليه من الأمور دال على أنه يستعين الله تعالى في كل أمور حياته. والاستعانة هي نوع من استصغار حاله بجوار عظمة الله تعالى، وافتقاره إليه تعالى، وأنه محتاج إليه دائما، ولا يركبه غرور الحياة والضلال في أن يُقِرَّ بنفسه الغرور، وهو استجابة وفهم لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
وإن من أعلى أبواب الاستعانة، الاستعانة بالله تعالى على أداء الواجبات والقيام بفروض الله تعالى، فهو يستعين بالله تعالى على أداء واجب العبادة ليصل إلى درجة العبودية، ويكون ربانيا.
وتقديم (إِيَّاكَ) على (نَعْبُدُ) و (نَسْتَعِينُ) لتعظيم الله تعالى بذكره أولا، ولأن التقديم للاهتمام بالمعبود والمستعان؛ وللدلالة على أنه سبحانه وتعالى هو المختص بالعبادة وحده، وأنه لَا يستعان بغيره، وفي ذلك كمال التوحيد والخضوع له وحده سبحانه وتعالى، ولقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ): معناه نعبدك ولا نعبد غيرك.
فتقديم إياك كما في قوله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)، وقوله سبحانه: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)، وتكرار (وإِيَّاكَ) في (نَعْبُدُ) و (نَسْتَعِينُ)، لبيان التباين بينهما، وأن ذلك حق الله، وأن هذا طلب من العباد، ولتكرار النص على تخصيص ذلك بالله الواحد الأحد الفرد الصمد.
وأول الاستعانة طلب الهداية؛ ولذلك قال تعالى:
* * *
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6))
الصفحة 65
5482