كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

بعد أن ذكر دعاء العباد لربهم باختصاصه بالعبادة، طلبَ الاستعانة بالله تعالى في كل شيء مرغوب فيه محمود غير مذموم، وذكرت الاستعانة متجهة إلى الله تعالى من غير الباء، إذ هي تتعدى بها، فيقال استعان به، وتركت الباء للتوجه إلى الله تعالى من غير توسط، ولو كان توسطًا لفظيًّا بحرف الباء، والتوجه إلى الله وحده بحيث يواجه الذات العلية بإشراف النفس من غير رؤية ولا حسٍّ إلا أن يكون روحيا.
وقد ذكر أعلى مراتب الاستعانة، وهي التي لَا تكون لأمور تتعلق بالرغبات الدنيوية ولو كانت في حلال، بل أعلاها ما يتعلق بالنفس وهدايتها، فقال سبحانه على لسان المتقين: (اهْدِنَا) ومجيء ذلك في كتاب الله تعالى وبقوله الحكيم تعليم وتربية للنفس المؤمنة أن تكون استعانتها بالله تعالى تكون أولا بطلب الهداية من الله، وقوله تعالى على ألسنة عباده المتقين: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) هو دعاء من العباد لربهم بأمره سبحانه، وذلك تجلٍّ من الله العلي الأعلى بالإرشاد والتعليم فقوله تعالى: (اهْدِنَا) والدعاء ذاته عبادة كما روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء " (¬1).
دعاؤهم بطلب الهداية، والهداية ذات مراتب يعلو بعضها فوق بعض. . المرتبة الأولى: أن يملأ سبحانه وتعالى نفوسهم وقلوبهم بالحق يميلون نحوه، ويتجهون إليه، وأن يكونوا ممن كتبت عليهم التقوى، وأن تكون هدايتها إلى نجد الخير، وقد قال، وقوله الحق: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، وقال سبحانه:
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)، وذلك ليكونوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
¬________
(¬1) أخرجه الترمذي: كتاب الدعوات - باب: ما جاء في فضل الدعاء (3370)، وابن ماجه: كتاب الدعاء - باب: فضل الدعاء (3829)، وأحمد: كتاب باقي مسند المكثرين (8530) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

الصفحة 66