كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
والمرتبة الثانية: بعد أن تصغي قلوبهم إلى الحق وتنفتح بقوله والنظر في بيناته وهي إقامة الدلائل على الحق ليتبعوه عن بينة، أو تنفتح نفوسهم وعقولهم لقبول ما تدل عليه آيات الكون وأدلة الحق وهي أماراته، بل بيناته من سماء ذات أبراج، وأرض ذات جبال كالأوتاد، وزروع وثمار، ذات بهجة للناظرين، وأن يتدبروا في ملكوت الله تعالى وخلقه فينظروا نظرة الإدراك والاعتبار كما قال تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26).
هذه هي المرتبة الثانية من الهداية: وهي أن يهديهم سبحانه إلى مواضع العبر والاستدلال في آياته الكبرى في خلق السماء والأرض وما بينهما، وفي آياته الكونية، ما دقَّ منها وما جلَّ، فهو خالق كل شيء.
أما المرتبة الثالثة: فهي إرسال الرسل هداة مبشرين ومنذرين، (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)، وإن إرسال الرسل للهداية والإرشاد، وتبليغ رسالته، إنما هو لكيلا يكون على الله حجة بعد الرسل، فهو بعد أن يخلق الخلق على الفطرة المستقيمة، والاستعداد للعلم بالوجود، وما فيه من أدلة على منشئ الوجود، ثم يؤيد العلم الفطري بعلم كسبي وهو علم النبوة الذي يجيء به رسول مبين يدعو إلى الهدى بإذنه ويهدي إلى صراط مستقيم.
والمرتبة الرابعة: مرتبة الوحي والكشف وتعليم الله تعالى لخلقه، وهو ما يكون للرسل الكرام دعاة الحق والهداة إليه، فهداية الله تعالى بالوحي، أو إرسال رسول أو أن يكلمه الله تعالى من وراء شيء من خلقه، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا. . .).
الصفحة 67
5482