كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
وهكذا هداية الله تعالى تبتدئ من هداية النفس والعقل إلى الحق وطلبه، ثم الإدراك للآيات البينات الدالة على واجب الوجود، ثم هداية الله تعالى بالرسل يرسلهم ليكونوا للعالمين نذيرا، ثم هداية الله تعالى بما يكون لرسله المصطفين الأخيار.
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ) إن هَدَى تتعدى بإلى وباللام كقوله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)، وكقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ)، وقوله تعالى: (هدًى لِّلْمُتَّقِينَ)، وقوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقرآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ. . .).
ولكن هنا لم يتعلَّق قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) بـ " اللام " ولا بـ " إلى "، ولذلك حكمة بيانية، وذلك أنها تضمنت معنى الهداية باختيار خير عاقبة، فتضمنت الهداية معنى الاختيار، ويكون المعنى اهدنا مختارًا لنا في هدايتك الصراط المستقيم. و " اختار " تتعدى بنفسها من غير أداة جر كما قال: (وَاخْتَارَ موسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا).
والصراط معناه الطريق الجدد أو الجادة، وقالوا إنه " السراط " بالسين، وبذلك قرئت في بعض القراءات المتواترة، وقالوا: إن الأصل في السراط الاستراط بمعنى الابتلاع، كأن الطريق يبتلع من يسلكه لاتساعه، وأنه جادة متسعة، لَا يبين سالكها، وقد وصف بأنه المستقيم لأن المستقيم أقرب خط بين نقطتين، فهو أقرب موصل للغاية المرجوة.
والمعنى على هذا: اختر لنا يا رب العالمين أقرب طريق متسع يوصل إلى ما يرضيك، وهو غايتنا، ومطمعنا ورجاؤنا، والصراط المستقيم هو طريق الله الذي أمر
الصفحة 68
5482