كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)

باتباعه، فقد قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. . .)، فهم يطلبون أن يهديهم الله تعالى إلى هذا الطريق المستقيم وهو صراط الذين أنعمت عليهم من عبادك الصالحين.
* * *
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
هذا بيان للصراط المستقيم، أي المستوي الذي لَا اعوجاج فيه، وهو معبَّد لا يقف السائر فيه بعثرة يعثرها ولا بحجارة تدعثره، فإعراب (صراط الذين أنعمت عليهم) بدل من (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، يعمل فيها عامله (اهْدِنَا) فمعنى النص الكريم اهدنا طريق الذين أنعمت عليهم.
وأصل النعمة ما يستلذه الإنسان أو يستطيبه، ولكنها هنا تفسر بأنها المنفعة التي تدوم، ويستطيبها القلب، سواء أكانت عاجلة أم آجلة، وسواء أكانت دنيوية أم كانت أخروية، وسواء أكانت مادية أم كانت روحية، وإن نعم الله تعالى على عباده لا يحصيها العدُّ ولا يحيط بها الحصر، كما قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)، فهناك نعمة الخلق الإنساني القويم والتكوين الجسمي السليم الذي يوجد أحيانا الغرور عند غير المؤمنين، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم الَّذِي خلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شَاءَ رَكَّبَكَ).
ومن النعم أن يمكِّنه من زخارف الحياة من لباس حسن يلبسه، وزخرفة باهرة يزخرف بها مسكنه، وطيب رائحة يطيب بها نفسه، ويقبل بها على جمعه، فهذه نعم ظاهرة وباطنة، فإن آمن بالنعم وشكر له، فإنها نعمة، وإن غره الغرور، وفاخر بها، واستطال على الناس فإنها عند الله النقمة.

الصفحة 69