كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
ومن النعم أن يحس بإشراق النفس وإخلاص القلب، والاتجاه إلى الله تعالى، وأن يكون مستقيم الفكر، نير المدارك، ولا يضل، بل يهتدي بما أنعم، ومن النعم نعمة الإخلاص في القول والصدق فيه، وأن يعمل العمل، لَا يعمله إلا لله، وأن يراقب الله في سره وجهره وعمله، حتى يصدق عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لَا يحبه إلا لله " (¬1).
إذا كان المؤمن كذلك يكون ممن هداه الله إلى صراط الذين أنعم عليهم، كما قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا).
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) المغضوب عليهم هم الذين ينزل عليهم غضب الله، ووراء غضبه عذابه إلا أن يتغمدهم الله برحمته فيتوبوا، والتوبة تجبُّ ما قبلها، وبذلك لَا يكونون من المغضوب عليهم، بل ينخلعون منهم، وإنما الأعمال بخواتيمها، وإنما المغضوب عليهم هم من انتهوا إلى ألا يتوبوا، وألا ينتهوا عما يوجب غضب الله تعالى.
والذين ينطبق عليهم غضب الله تعالى لدوام شرهم، وبقاء فسادهم حتى يلقوا ربهم، وهم على هذه الحال - الكافرون سواء أكانوا وثنيين، وكثير ما هم في الماضي والحاضر، أم كانوا من الذين أوتوا الكتاب كاليهود - لعنهم الله - ونصارى بولس الذين يعبدون المسيح، وهو بريء منهم، هؤلاء هم المغضوب عليهم ولا ريب في نزول غضب الله تعالى بهم إلى يوم القيامة (غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم. . .).
والضالون قال بعض العلماء إنهم النصارى لقوله تعالى: (قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)، وإنه لينطبق عليهم بلا ريب
¬________
(¬1) أخرجه البخاري بنحوه، كتاب الأدب - باب: الحب في الله (6041).
الصفحة 70
5482