كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 1)
(ذَلِكَ الْكِتَابُ) والإشارة هنا للبعيد، وموضوعها قريب، لأن الحروف جاء بعدها فورًا ذكر الكتاب فكان الظاهر أن تكون الإشارة بما يدل على القرب، كـ (هذا) الكتاب، ولكن لأن (الم) تدل على السورة التي هي جزء متكامل من الكتاب، أو الكتاب نفسه، وقد نزل من الروح الأقدس، فنزل من العلا إلى النبي المرسل، فكان ذلك إشعارًا بالبعد بين الملكوت الأعلى وخلق الله سبحانه وتعالى، أو يقال: إن الإشارة بالبعيد تنويه بذكره وعلو مقامه فإنه تكون الإشارة بالبعيد في هذا المقام، وأي مقام يقارب كتاب الله تعالى؟! فهو عليٌّ في ذاته، ثقيل في ميزانه كما قال تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا).
وفى قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ) ثلاثة وقوف:
أولها: الوقوف عند (الْكِتَابُ)، وتكون (ذَلِكَ) مبتدأٌ، والكتاب خبر، ويكون فيه تعريف الطرفين الذي يدل على القصر، أي ذلك وحده هو الجدير بأن يسمو، فلا يعلو علوه كتاب، ولا يُنَاصِى سَمْتَهُ مقروء سواه، إذ هو تنزيل من رب العالمين، وفيه علم بشرائع الله تعالى ويكون قوله تعالى: (لا رَيْبَ فِيهِ) جملة مستقلة على هذه القراءة، وهي تأكيد لمعنى العلو والسمو فيه، إذ إنه لَا شك في حقائقه، وهي بينة تهتدي إليها العقول، ولا ترتاب فيها فهو حجة بصدقه في ذاته، وإدراك العقول لحقائقه، وهذا شرف ذاتي فيه، وهو لَا ريب في أنه من عند الله، إذ تحدى المَقَاوِل (¬1) من قريش وفحول الكلام منهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فكان ذلك شرفا إضافيا فوق شرفه الذاتي.
والثاني: الوقف عند (لا رَيْب)، ومؤداها مقارب من مؤدى القراءة السابقة تقريبا، إذ المؤدى أن يكون المعنى: ذلك هو الكتاب بلا ريب، ويكون قوله تعالى:
¬________
(¬1) مَقاوِل: جمع مِقْوَل: أي حسن القول لَسِن. الوسيط (ق ول).
الصفحة 99
5482