كتاب سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين

مكون من التيارات المضادة، والهجمات الشرسة والضربات المعادية إنما هو معجزة ربانية بحتة، ولكن ليس من اللازم ظهور المعجزات من دون الأسباب أو الدوافع المؤدية إلى ظهورها، بل إن إيجاد هذه الأسباب والدوافع وتهيئتها وجمعها في وقت مناسب وملائم بفضل من الله تعالى كذلك يعتبر نوعا من المعجزات التي لا تتيسر ولا يتهيأ لكل عمل يعمله الإنسان، وإلا لما فشلت حركة قط في هذه المعمورة، مع أننا نرى آلافا من الحركات التي تبوء بالفشل ولا تتكلل بالنجاح لعدم توفر الأسباب.
كانت قبائل المدينة قد شغلتها الحروب الأهلية فيما بينها قبل بزوع شمس الإسلام، وراح ضحيتها معظم زعماء هذه القبائل، الذين كانوا أكبر عائق وأخطر حاجز في سبيل الدعوة، وذلك خوفا منهم أن تتضرر بها مناصبهم وسيادتهم، وهذه الحروب قد أتعبت الأنصار وأرهقتهم إلى حد أنه لما طلع فجر الإسلام وجدوا فيه ضالتهم، وحصلوا على بغيتهم، وحسبوا أنه رحمة لهم، وبما أن طبقة الزعماء قد قضت عليها الحروب لم يعد أحد يتمكن من إحداث الحواجز في طريقها، وبهذا يكون قد مهد الله سبحانه وتعالى كل طرق لنمو شجرة الإسلام وتطوره من جميع الجوانب وسائر النواحي في المدينة المنورة.
تقول عائشة (ض): ((كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد افترق ملؤهم، وقتلت سراتهم وجرحوا، فقدمه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في دخولهم في الإسلام)) (¬1).

الاغتسال يوم الجمعة:
الاغتسال يوم الجمعة واجب، وهذه أم المؤمنين عائشة (ض) توضح لنا سبب هذا الوجوب فتقول:
((كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار
¬__________
(¬1) صحيح البخاري كتاب المناقب باب القسامة في الجاهلية برقم 3777، 3848، 3930.

الصفحة 291