كتاب سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين

على عائشة أم المؤمنين والاعتراف بفضلها ومكانتها العلمية وسعة اطلاعها ومعرفتها.
وهذا الأمير معاوية (ض) كان والي دمشق، وكان إذا أشكل عليه شيء يرسل إلى أم المؤمنين يستفسرها عنه (¬1)، وفي بعض الأحيان يكتب إليها يستنصحها، أخرج الإمام الترمذي في سننه: ((كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين (ض) أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي، فكتبت عائشة (ض) إلى معاوية: سلام الله عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، والسلام عليك)) (¬2).
كانت المدينة المنورة مقر كبار الصحابة ومركزهم، وقد بقي في المدينة حتى خلافة الشيخين كل من عثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي بن كعب، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، وأمثالهم من كبار الصحابة وعلماء الإفتاء (ض) أجمعين، فلما تولى عثمان (ض) الخلافة، توفي معظم هؤلاء الكبار من الصحابة.
وبدأ عصر الشباب منهم، وكان على رأس قائمتهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن الزبير، وأبو هريرة (ض) أجمعين وكما مر معنا فإن عائشة (ض) قد حازت على منصب الافتاء منذ صغرها في زمن كبار الصحابة (ض)، وكان جلة الصحابة يراجعونها في معضلات الأمور، أخرج الإمام الترمذي عن أبي موسى الأشعري (ض): ((ما أشكل علينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديث قط فسألنا عائشة
¬__________
(¬1) (فأخبرته معاوية بن أبي سقيان (يقصد حديث استشهاد عثمان (ض)) فلم يرض بالذي أخبرته، فكتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتابا)) (مسند الإمام أحمد بن حنبل 6/ 86).
(¬2) سنن الترمذي باب ما جاء في حفظ اللسان برقم 2414.

الصفحة 328