كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 61)

فانطلق الماء بالتابوت حتى توارى عنها قال فجاء الشيطان فندمها وأنساها ما كان الله جل وعز ألهمها إذ جعلته في التنور فجعل الله عليه النار بردا وسلاما وندمت حين جعلته في التابوت فقالت في نفسها لو ذبح ابني بين يدي فكنت أكفنه وأدفنه في التراب لكان أحب إلي وأسلى لهمي من أن ألقيه في هذا البحر فتأكله دواب البحر وحيتانه فذلك قول الله عز وجل " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " (1) قال جزعا خائفا نادما قالت أذهب فأبدي به فذكرها الله ما أنساها الشيطان فقالت في نفسها إن الله الذي خلصه من النار سيحفظه في اليم فذلك قوله " لتكون (2) من المؤمنين " قال فاحتمل النيل التابوت حتى تعلق التابوت بشجرة مما يلي فرعون قال فبينا فرعون في مجلسه إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج قال فرعون إن هذا لشئ في البحر قد تعلق بالشجرة ترفعه الأمواج أحيانا وتضعه ائتوني به قال فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه قال فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها (3) للذي أراد الله أن يكرمها فعالجته ففتحت التابوت فإذا هي فيه بصبي صغير في مهده فإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في البحر في إبهامه وإذا إبهامه في فيه (4) يمصه لبنا وألقى الله لموسى المحبة في قلب آسية فلم يبق منها عضو ولا شعر ولا بشر إلا وقع فيه الاستبشار فذلك قوله " وألقيت عليك محبة مني " (5) وقال فيما من عليه " ولقد مننا عليك مرة أخرى " يعني حين نجيتك من النار والأخرى في اليم وأحبه فرعون وعطف عليه وأقبلت ابنة فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت ابنة فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه ولعابه فلطخت به بصرها وقبلته وضمته إلى صدرها وجعل فرعون عدو الله أيضا يفعل كفعلها لما يرى من سرورهم به فأخذته آسية فضمته إلى نفسها فقالت الغواة من قوم فرعون أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا رمي به في البحر فرقا

الصفحة 22