يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (¬1)
فلم يجد بداً من الامتثال بعد هذا الإنذار الشديد، فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع في غدير خم، فنادى وجلهم يسمعون:
" ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: اللهم بلى. فقال: من كنت مولاه فهذا على مولاه، إلى آخر ما قال، ثم أكد ذلك في مواطن آخرى تلويحاً وتصريحاً، وإشارة ونصاً حتى أدى الوظيفة (¬2) .
وقبل أن ينصرف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غدير خم وقبل أن يتفرق الجمع نزل قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " (¬3)
فقال رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتى، والولاية لعلى من بعدى، ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين وفى مقدمتهم الشيخان (¬4) . فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري. فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناقة له حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها، فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا، وأمرتنا أن نصلى خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم
¬_________
(¬1) سورة المائدة - الآية 67.
(¬2) أصل الشيعة وأصولها ص 134، وفيه " يا أيها النبي " و" اللهم نعم ".
(¬3) الآية الثالثة من سورة المائدة.
(¬4) انظر الغدير 1/11.