كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل
وهكذا التقى الرجلان بمَيُورْقة (١) سنة ٤٣٩ هـ بحضرة الوالي أبي العباس أحمد بن رشيق الكاتب (٢)، وتحت رعايته جرت بينهما مناظرة في موضوعات متفرقة أصولية بصورة خاصة، تصب في مسألة نفي القياس وإبطال الرأي وتعليل الأحكام وما يترتب عن هذه القضايا من فروع فقهية (٣)، وحسب جمهور المترجمين والمؤرخين أن ابن حزم خرج من هذا المجلس مغلوبًا بالحجج والبراهين التي أقامها الباجي وجادل بها خصمه وظهر تفوقه بارزًا (٤)، وفي هذا السياق يقول القاضي عياض: (فجرت له معه مجالس كانت سبب فضيحة ابن حزم وخروجه من ميورقة، وقد كان رأس أهلها، ثم لم يزل أمره في سفال فيما بعد) (٥)، وكان من نتائج هذه المناظرة مغادرة ابن حزم لميورقة (٦)، وقدوم المعتضد بن عباد على إحراق كتبه بإشبيلية (٧)، وفي هذا المضمون يقول أبو محمد ابن حزم:
دَعُونِيَ مِنْ إِحْرَاقِ رَقٍّ وكَاغِدٍ ... وقُولُوا بِعِلْمٍ كَيْ يَرَى النَّاسُ مَنْ يَدْرِي
فَإِنْ تَحْرِقُوا الْقِرْطَاسَ لَا تَحْرِقُوا الَّذِي ... تَضَمَّنَهُ الْقِرِطَاسُ، بَلْ هُوَ في صَدْرِي
---------------
(١) (مَيُورْقة): جزيرة في شرقي الأندلس فتحها المسلمون سنة ٢٩٠ هـ (انظر: معجم البلدان لياقوت: ٥/ ٢٤٦. الروض المعطار للحميري: ٥٦٧ - ٥٦٨، مراصد الاطلاع للصفي البغدادي: ٣/ ١٣٤٦).
(٢) انظر ترجمته في: جذوة المقتبس للحميدي: ١٢٢ - ١٢٤. الحلة السيراء لابن الأبار: ٢/ ١٢٨ - ١٢٩.
(٣) البداية والنهاية لابن كثير: ١٢/ ٩٢.
(٤) انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض. ٢/ ٨٠٥. الذخيرة لابن بسام: ٢/ ١/ ٩٦. طبقات المفسرين للداودي: ١/ ٢١١.
(٥) ترتيب المدارك للقاضي عياضى: ٢/ ٨٠٥.
(٦) ولعله غادر ميورقة بسبب وفاة الوالي أبي العباس بن رشيق بعد سنة ٤٤٠ هـ (جذوة المقتبس للحميدي: ١٢٣).
(٧) الذخيرة لابن بسام: ٢/ ١/ ٩٦. تاريخ المذاهب الإسلامية لأبو زهرة: ٥٦٠ - ٥٦٢.
الصفحة 107
405