كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل

يَسِيرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي ... ويَنْزِلُ إِنْ أَنْزِلْ ويُدْفَنُ في قَبْرِي (١)
والحقيقة أن هذه المناظرة العلمية على الرغم من فوائدها فإن المؤرخين لم يشيروا إلى الموضوعات والقضايا محل المناقشة، بل أحالوا إلى كتاب (فرق
الفقهاء) لأبي الوليد الباجي الذي لم يصل إلينا لذلك يتعذر الكشف عن وجوه المناظرة والظاهر منها بحجة (٢).
هذا ويستبعد أبو زهرة هزيمة ابن حزم حيث يقول:
(ولقد خرج ابن حزم من ميورقة من غير أن يكون مغلوبًا في حجاج، ولكن لأنه فقد النصير المؤيد، ولم يعد الانتصار للحجة والبراهين، بل صار لمن هو أكثر عددًا وأعز نفرًا.
وقد كان الذي يأخذونه عليه أنه يخالف المذهب المالكي، ويشن عليه الغارة، ويضرب بأقوال جمهور الفقهاء الذين يتخذون الرأي منهاجًا فقهيًّا عرض الحائط في عنف وقوة، لأنه لا يعتمد إلا على النصوص، ويحسب في ظنه أنها وحدها الفقه، ولا فقه غيرها، وأنه ليس للعقل أن يخوض إلا في فهمها، فإن خاض فيما وراءها فإنه لا يمكن أن يكون ما يأتي به من الأحكام الشرعية) (٣).
ويقوِّي ذلك أن بعض صور المناظرة التي يرويها المَقَّرِي، وإن كانت متعلقة بمسائل شخصية، إلا أن الظاهر منها أن ابن حزم ليس بالسهل المغلوب، قال: (ولما ناظر ابن حزم قال له الباجي: أنا أعظم منك همَّة في طلب العلم، لأنك طلبته وأنت معان عليه، تسهر بمشكاة الذهب، وطلبتُه وأنا أسهر بقنديل بائتِ السوقِ، فقال ابن حزم: هذا الكلام عليك لا لك، لأنك إنما طلبتَ العلم
---------------
(١) نفح الطيب للمقري: ٢/ ٨٢.
(٢) مناظرات بين ابن حزم والباجي للدكتور عبد المجيد تركي: ٢٠.
(٣) تاريخ المذاهب الإسلامية لأبو زهرة: ٥٦٠.

الصفحة 108