كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل

وأنت في تلك الحال رجاء تبديلها بمثل حالي، وأنا طلبته في حين ما تعلمه وما ذكرته، فلم أرجُ به إلا علوّ القدر العلمي في الدنيا والآخرة، فأفحمه) (١).
وحاصل ما سبق أنه يتعذر علينا الحكم بتفوق أحد العَلَمين في مقابلتهما ما دمنا لم نطَّلع على مضمون المناظرة ومحتواها العلمي سوى ما ساقه المؤرخون من نسبة الهزيمة لابن حزم والانتصار للباجي، هذا وبغضِّ النظر عن المتفوق منهما فإن ابن حزم لم يفقد إنصافه اتجاه الباجي، بل نعته بما هو أهله على نحو ما تقدم (٢). قال ابن بسام: (وقد ناظره بميورقة ففلَّ من غَرْبِه، وسبَّب إحراق كتبه، ولكن أبا محمد وإن كان اعتقد خلافه فلم يطَّرح إنصافه، أو حاول الرَّد عليه، فلم ينسب التقصير إليه) (٣).

ثانيًا: مناظرة أبي الوليد الباجي لبعض علماء عصره:
يرجع سبب هذه المناظرة إلى أن أبا الوليد الباجي قرئ عليه - وهو ب (دانية) (٤) - حديث المقاضاة في صلح الحديبية الذي أخرجه البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لما اعتمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يَدَعوه يدخلُ مكةَ حتى قاضاهم على أن يُقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتابَ، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمَّدٌ رسول الله، قالوا: لا نقرُّ لك بهذا، لو نعلمُ أنكَ رسولُ الله ما مَنَعناك شيئًا، ولكن أنتَ محمَّدُ بن عبد الله، فقال: أنا رسولُ الله، وأنا محمد بن عبد الله، ثمَّ قال لعليّ: امحُ رسولَ الله، قال عليّ: لا والله لا أمحوك أبدًا، فأخذ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الكتاب - وليس يُحسِنُ يكتب - فكتب: هذا ما قاضى عليه محمدُ بن عبد الله ... ) (٥).
---------------
(١) نفح الطيب للمقروي: ٢/ ٧٧.
(٢) انظر منزلة أبي الوليد الباجي بين علماء عصره ص: ١٠٠.
(٣) الذخيرة لابن بسام: ٢/ ١/ ٩٦.
(٤) دانية: مدينة بالأندلس من أعمال (بلنسية) على ضفة البحر شرقًا (انظر معجم البلدان لياقوت: ٢/ ٤٣٤. الروض المعطار للحميري: ٢٣١ - ٢٣٢. مراصد الاطلاع للصفي البغدادي: ٢/ ٥١٠).
(٥) صحيح البخاري: ٧/ ٤٩٩.

الصفحة 109