كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل
- وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تمد: بسم الله) (١).
ورغم هذه الأدلة المساقة، فإن مذهب جمهور العلماء والمحدثين القول بالمنع من أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كتب حرفًا واحدًا بيده، بل له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتَّاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم، وأجاب الجمهور عن الأحاديث الواردة في المسألة بأنها ضعيفة لا يحتج بها (٢)، وأنه لو كتب بيده لنقل إلينا لأن الدواعي متوفرة على نقله، وأن لفظ (كتب) في حديث المقاضاة مؤول إلى معنى الأمر بالكتابة، وهو في اللغة كثير كقوله: كتب إلى قيصر، وكتب إلى كسرى، وقطع السارق، ورجم ماعزًا، وجلد الشارب، فهو ما يعرف بالإسناد المجازي أو المجاز العقلي. وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالمًا بالكتابة ويخرج عن كونه أمِّيًّا (٣). وفي هذا المضمون يقول الحافظ الذهبي: (يجوز على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكتب اسمه ليس إلَّا، ولا يخرج بذلك عن كونه أُمِّيًّا، وما من كتب اسمه من الأمراء والولاة إدمانًا للعلامة يعد كاتبًا، فالحكم للغالب لا لما نَدَر، وقد قال عليه السلام: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسُب) أي لأن أكثرهم كذلك، وقد كان فيهم الكتبة قليلًا، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} فقوله عليه السلام: (لا نَحسُب) حق، ومع هذا فكان يعرف السنين والحساب، وقَسْمَ الفَيْءِ، وقِسْمَةَ المواريث بالحساب العربي الفطري لا بحساب القِبط ولا الجَبْر والمُقابلة، بأبي هو ونفسي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان سيد الأذكياء، ويَبْعُد في العادة أن الذكيَّ يملي الوحي وكُتُبَ الملوك وغير ذلك على كتَّابه، ويرى اسمَه الشريف في خاتِمه، ولا يعرف هيئة ذلك مع الطُّول، ولا يخرج بذلك عن أُميته، وبعض العلماء عدَّ ما كتبه يوم الحُدَيْبِيَة من معجزاته، لكونه لا يعرف الكتابة وكتَبَ، فإن
---------------
(١) فتح الباري لابن حجر: ٧/ ٥٠٤.
(٢) تفسير ابن كثير: ٣/ ٤١٧. فتح الباري لابن حجر: ٧/ ٥٠٤.
(٣) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١٣/ ٣٥٢ - ٣٥٣. تفسير ابن كثير: ٣/ ٤١٧.
فتح الباري لابن حجر: ٧/ ٥٠٤.
الصفحة 114
405