كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل
فإن قيل: لا يجوز عليه الكتابة، فلو كتب لارتاب مبطل ولقال: كان يحسن الخطَّ، ونظر في كتب الأولين: قلنا: ما كتب خطًّا كثيرًا حتى يرتاب به المبطلون، بل قد يقال: لو قال مع طول مدة كتابة الكتاب بين يديه: لا أعرف أن أكتُب اسمي الذي في خاتِمي، لارتاب المبطلون أيضًا، ولقالوا: هو غاية في الذكاء، فكيف لا يعرف ذلك؟ بل عرفه، وقال: لا أعرف. فكان يكون ارتيابهم أكثر وأبلغ في إنكاره) (١).
وفي هذا الصدد، فقد صنَّف القاضي أبو الوليد الباجي رسالة في هذا الموضوع ينتصر فيها لرأيه ويبيِّن وجوه المسألة ويفنِّد أقوال المخالفين له في الرأي الذين رموه بالكفر والزندقة، وسمى هذه الرسالة: (تحقيق المذهب في أن رسول الله قد كتب) (٢).
الفرع الثاني: صلة الحكَّام بأبي الوليد الباجي:
كانت للمناظرات العلمية التي أجراها أبو الوليد الباجي بالأندلس، وظهور تآليفه الأصولية والفقهية، وانتشار علمه وذيوع صيته، فضلًا عن اتصافه بالدِّيانة والتقوى وما يتميز به من صفة خَلقية في هيئته وسمته ووقاره، الأثر البالغ في نفوس الناس، كما كان تكوينه العلمي والأدبي محل ثقتهم، الأمر الذي فسح للحكَّام مجالًا - بعد بروز نجمه - ليتصلوا به ويتقربوا إليه ويطلبوا صحبته، وفي هذا المضمون يقول ابن خاقان:
(فتهادته الدول، وتلقَّته الخيل والخول، وانتقل من محجر إلى ناظر، وتبدَّل من يانع بناضر) (٣).
---------------
(١) سير أعلام النبلاء للذهبي: ١٨/ ٥٤٠ - ٥٤١.
(٢) انظر ترتيب المدارك للقاضي عياض: ٢/ ٨٠٥ - سير أعلام النبلاء للذهبي: ١٨/ ٥٤٠ طبقات المفسرين للداودي: ١/ ٢١٠. الفكر السامي للحجوي: ٢/ ١/ ٢١٧.
(٣) قلائد العقيان لابن خاقان: ٢١٥.
الصفحة 115
405