كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل

مجابهة المصاريف المختلفة الناجمة عن ظروف الحرب والقتال، كما فشت فيهم ظاهرة المجون والفساد والإسراف والتبذير على الشهوات بمعاقرة الخمرة وعقد مجالس البدخ والأنس مع التسلية والنشوة بالمغنين والفتيات والجواري، وقد كانت هذه الظاهرة مشتركة عند جميع ملوك الطوائف وبطانتهم (١).
وفي هذا المضمون يقول محمد عبد الله عنان: (وقد قاسى الشعب الأندلسي في ظل طغيان الطوائف كثيرًا من ضروب الاضطهاد والظلم، ولم يكن ذلك قاصرًا على متاعب الفوضى الاجتماعية الشاملة التي كان يعيش في غمارها، وانقلاب الأوضاع في سائر مناحي الحياة، وتوالي الفتن والحروب الداخلية، ولكنه كان يقاسي في نفس الوقت من جشع أولائك الأمراء الطغاة، الذين كانوا يجعلون من ممالكهم ضياعًا خاصة، يستغلونها بأقسى الوسائل وأشنعها، ويجعلون من شعوبهم عبيدًا يستصفون ثرواتهم، وثمار كدِّهم، إرضاء لشهواتهم في إنشاء القصور الباذخة، واقتناء الجواري والعبيد، والانهماك في حياة الترف الناعم، والإغداق على الصحب والمنافقين، هذا، فضلًا عن حشد الجند لإقامة نيرهم، وتدعيم طغيانهم، وقد ترتب على ذلك أن انهارت المعايير الأخلاقية، واختلط الحق بالباطل، والحلال بالحرام ولم يعد الناس يعتدون بالوسيلة، بل يذهبون إلى اقتضاء الغاية، وتحقيق الكسب بأي الوسائل) (٢).
كما انتشر بين الأسر الحاكمة والمحكومة حبُّ التزوج بالنصرانيات وما يفضي ذلك إلى سوء تقدير لعواقب الأمور، وأسندت لأهل الذمة من اليهود مهام حيوية ضمن مناصب راقية متمثلة في جباية الأموال وكتابة الدواوين (٣)، حيث كانوا وراء كلِّ مؤامرة أو دسيسة مدبَّرة على حساب المسلمين، أو فتنة مشتعلة تأتي على الأخضر واليابس
---------------
(١) دول الطوائف لعنان: ٤١٨ - ٤٢٣.
(٢) دولة الطوائف لعنان: ٤٢١.
(٣) تارخ الشعوب لبروكلمان: ٣١ - ٣١٥.

الصفحة 21