كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل

الأصولي الكبير أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد السِّمْنَانيِّ (١). فضلًا عن دراسته عليه الفقه والأصول والكلام والأدب (٢)، وقد أعجب أبو الوليد الباجي به كثيرًا حتى أنه مدحه بقصيدة شعرية (٣).
ودخل مصر وبها سمع من أبي محمد بن الوليد وغيره (٤).
هكذا قضى أيامه الدراسية مقيمًا بالمشرق نحو ثلاث عشرة سنة من المثابرة في الطلب والاجتهاد في التحصيل والحرص على ذلك، لا يهاب في سبيل تحقيق رغبته حرَّ الصيف ولا بردَ الشتاء (٥).
فلما حقق رغبته وأشبع حاجته وقضى رغبته، وبرع في القرآن والحديث وعلومهما، والفقه وأصوله، والعربية وقواعدها، وعلم الكلام ومضايقه، والعقليات وتوابعها، وجد في نفسه حنين الديار وأحس بالشوق للأهل والأحباب، فقرَّر
---------------
(١) سيأتي موجز من ترجمته قريبًا.
(٢) ترتيب المدارك للقاضي عياض: ٢/ ٨٠٢. وفيات الأعيان لابن خلكان. ٢/ ٤٠٨. معجم الأدباء لياقوت: ١١/ ٢٤٨. سير أعلام النبلاء للذهبي: ١٨/ ٥٣٨. طبقات المفسرين للداودي: ١/ ٢٠٩. فوات الوفيات للكتبي: ٢/ ٦٤. الديباج المذهب لابن فرحون ١٢٠. نفح الطيب للمقري: ٢/ ٧١.
(٣) الذخيرة لابن بسام: ٢/ ١/ ٩٩. وستأتي هذه القصيدة قريبًا عند التعرض لشعر الباجي ونثره.
(٤) ترتيب المدارك للقاضي عياض: ٢/ ٨٠٢. الديباج المذهب: ١٢٠. الفتح المبين للمراغي: ١/ ٢٦٦.
(٥) حكى أبو الوليد الباجي أن الطلبة كانوا ينتابون مجلس أبي علي البغدادي، وبسبب المطر والوحل لم يحضر حلقة العلم من زملائه الطلبة سواه، فلما التمس مواظبته وانضباطه وحرصه أنشده:
دَبَبْتَ لِلْمَجْدِ والسَّاعُونَ قَدْ بَلَغُوا ... حَدَّ النُّفُوسِ وَأَلْقَوْا دُونَهُ الأُزُرَا
وَكَابَدُوا المَجْدَ حَتَّى مَلَّ أَكْثَرُهُمْ ... وَعَانَقَ المَجْدَ مَنْ وَافَى وَمَنْ صَبَرَا
لَا تَحْسَبِ المَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ ... لَنْ تَبْلُغَ المَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا
(انظر: نفح الطيب للمقري: ٢/ ٧٣).

الصفحة 59