كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل

روايته وفنونه، وساعده في ذلك الرعاية العائلية المحيطة به تحت إشراف خاله وشيخه أبي شاكر (١) أحد الخطباء والشعراء المشهورين بالأندلس فأحسن توجيهه وتعليمه ولا زال كذلك حتى ملك بناصية الشعر وبرع فيه واشتهر في الآفاق منذ شبابه، فكان لا يمر ببلد في رحلته المشرقية إلا ويجد الحديث في نظمه ونثره، حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره (٢). قال ابن بسام: ( ... بدأ في الأدب فبرز في ميادينه، واستظهر أكثر دواوينه، وحمل لواء منثوره وموزونه، وجعل الشعر بضاعته فوصل له الأسبابَ بالأسباب، ونال به مأكل القُحَم الرغاب، حتى جُنَّ الإحسان بذكره وغنَّى الزمان بغرائب شعره، واستغنتْ مصرُ والقيروان بِخَبَرِهِ عن خُبْرِهِ ... فما حلَّ بلدًا إلا وجده ملآن بذكره، نشوانَ من قَهْوَتَيْ نظمه ونثره) (٣).
وشاعرية أبي الوليد الباجي متفق عليها عند علماء التراجم، فقد كان شاعرًا مطبوعًا جيد العبارة، حسن النظم، فشعره هادف يعمل على خدمة أغراض بناءة بمعان في عقود براقة مصروفة عن الإسفاف والهذر، وجملة أبياته وأشعاره تدل على ذوقه الأدبي ونبوغه الشعري، قال ابن خاقان: (وكان له نظم يوقفه على ذاته، ولا يصرفه في رفث القول وبذاذاته) (٤).
وقد جمع ابنه أبو القاسم أحمد شعر أبيه (٥) ولم يصلنا منه سوى ما أوردته الكتب التي تناولت ترجمته، لذلك سنعرض بعض صور شعره الرصين في الفقرة الأولى ونثره الأدبي الرفيع في الفقرة الثانية.
---------------
(١) تقدمت ترجمته انظر: ص: ٦١.
(٢) ترتيب المدارك للقاضي عياض: ٢/ ٨٠٥. سير أعلام النبلاء للذهبي: ١٨/ ٥٣٩. طبقات المفسرين للداودي: ١/ ٢١١.
(٣) الذخيرة لابن بسام: ٢/ ٢/ ٩٥.
(٤) قلائد العقيان لابن خاقان: ٢١٦.
(٥) ترتيب المدارك للقاضي عياض: ٢/ ٨٠٧. سير أعلام النبلاء للذهبي: ١٨/ ٥٤٠. تذكرة الحفاظ للذهبي: ٣/ ١١٨١. طبقات المفسرين للداودي: ١/ ٢١١.

الصفحة 92