كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل

بأجورهم، وتكون سببًا إلى استنقاذهم، فأنت فيما بلغنا مطاع فيهم، والسلام على من اتبع الهدى).

ثانيًا: مقتطفات من نثر أبي الوليد الباجي:
من وصية لولديه (١):
قال الباجي في وصيته القيمة لولديه عند بلوغهما سن الإدراك والفهم: ( ... والعلم سبيل لا يفضي بصاحبه إلا إلى السعادة، ولا يقصر به عن درجة
الرفعة والكرامة، قليله ينفع، وكثيره يعلي ويرفع، كنز يزكو على كل حال، ويكثر مع الإنفاق ولا يغصبه غاصب، ولا يخاف عليه سارق ولا محارب، فاجتهدا في طلبه، واستعذبا التعب في حفظه، والسهر في درسه، والنصب الطويل في جمعه، وواظبا على تقييده وروايته، ثم انتقلا إلى فهمه ودرايته، وانظرا أي حالة من أحوال طبقات الناس تختاران، ومنزلة أي صنف منهم تؤثران، هل تريان أحدًا أرفع حالًا من العلماء، وأفضل منزلة من الفقهاء؟ يحتاج إليهم الرئيس والمرءوس، ويقتدي بهم الوضيع والنفيس، ويرجع إلى أقوالهم في أمور الدنيا وأحكامها، وصحة عقودها ومبايعاتها، وغير ذلك من تصرفاتها، وإليهم يلجأ في أمور الدين، وما يلزم من صلاة وزكاة وصيام، وحلال وحرام، ثم مع ذلك السلامة من التبعات، والحظوة عند جميع الطبقات.
والعلم ولاية لا يعزل عنها صاحبها، ولا يعرى من جمالها لابسها، وكل ذي ولاية وإن جلت، أو حرمة وإن عظمت، إذ خرج عن ولايته، أو زال عن بلدته، أصبح من جاهه عاريًا، ومن حاله عاطلًا، غير صاحب العلم، فإن جاهه يصحبه حيث سار، ويتقدمه إلى جميع الآفاق والأقطار، ويبقى بعده في سائر الأعصار).
ومنه قوله: ( ... ولا يرغب أحدكما في أن يكون أرفع الناس درجة، وأتمهم جاهًا وأعلاهم منزلة، فإن تلك الحال لا يسلم صاحبها، ودرجة لا يثبت
---------------
(١) نشرت هذه الوصية مجلة المعهد المصري مدريد، العدد: ٣. السنة: ١٣٧٤ هـ/ ١٩٥٥ م.

الصفحة 99