كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
الحديث على القرويين. اما المنوني والكتاني فقد قدما للتراث العربي في المغرب
يداً باقية وأئراَ مذكوراَ، فكم اكتشفا من مخطوطات، وكم صحَّحا من نسبة كتب لغير
أصحابها، ولولا خوف الاطالة لذكرت من هذا وذاك الشيء الكثير، ثم كانت
مساعدتهما المخلصة وعونهما الكريم لكل من يرد المغرب أو يستفتيهما من خارجه،
فلم يحجبا علماَ ولم يبخلا بنصح.
ويمثل هؤلاء الأعلام الثلاثة الطبقة الأولى في الواقع الأدبي المغربي
المعاصر، وهي الطبفة التي تخرجت في القرويين، واتصلت بالتراث في أصوله
الأولى ومنابعه النقية بعيداَ عن عبث المختصرين وضلال المتأولين.
وقد عاشت هذه الطبقة تجربة الحماية الفرنسية بكل مرارتها، فلم تخدع عن
لغتها وترائها، وظلت حفية به حريصة عليه مستزيدة منه.
وبجانب هؤلاء الأعلام الثلاثة عرفت من فحول هذه الطبقة: عبد اللّه
كنون في طنجة، وسعيد أعراب، ومحمد داود، ومحمد بن تاويت - في تطوان،
والرحالي الفاروفي في مراكش، وعبد السلام بن سودة في فاس، وفي الرباط:
عبد الله الجراري، وعبد العزيز بن عبد اللّه، ومحمد الفاسي، وعبد الوهاب بن
منصور، ومحمد بن العباس القباح، والحاج محمد باحنيني وزير الثقافة، وهذا
الرجل نمط وحده، فهو أديب مترسل، تستمع إليه فيحملك إلى دنيا حافلة بالنغم
الحلو واللفظ المعجب والمعنى الشريف. وقد أتيح لي أن استمع إليه في أمسية
شعرية بالرباط، قدم فيها الشاعر السوري الكبير عمر ابو ريشة، فخلتني مع بيان
الجاحظ وترسل ابن العميد، ولا أعتفد أن لهذا الأديب نظائر كثيرة في المشرق
والمغرب.
وما زالت هذه الطبفة تواصل عطاءها السخي، وعلى وقع خطواتها سارت
الطبقة الثانية من ادباء المغرب، وهي طبقة أصابت من مائدة القرويين العامرة، ثم
اتصلت بالمناهج الحديثة وحصلت على أرقى الشهادات الجامعية، واتخذت مكانها
في قاعات الدرس بالجامعة والمعاهد العلمية، وهذه الطبقة هي أمل المغرب
113