كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

المكتبة العربية كلها، فعدة المحقق هي الكتب في كل فن، لأنه في كل خطوة
يخطوها مع النص مطالب بتوثيق كل نقل، وتحرير كل قضية، بل إن المحفق الجاد
قد يبذل جهداً مضنياَ لا يظهر في حاشية أو تعليق، وذلك حين يريد الاطمئنان إلى
سلامة النص واتساقه، ولا يشفع له إذا كبا أو تعثر أنه متخصص في النحو فقط،
او في البلاغة فقط، فلا بد أن يكون على صلة باللغة والنحو والتفسير والحديث
- متناَ وسنداَ - وعلم الكلام، والأصول والفقه، والأدب والبلاغة والعروض
والتاريخ والبلدان (الجغرافيا) وسائر فروع العلم، إن لم يكن من طريق الِإلمام
الكامل - وهذا شاق بلا ريب - فمن طريق الأنس بكنب هذه الفنون، والدُربة على
التعامل معها والِإفادة منها، ومعرفة مظنة العلم نصف العلم.
وعلى ذلك فإن طالب الدراسات العليا حين يحقق نصاً ترائياَ على هذا النحو،
إنما يقدم مادة علمية محررة، تقوم عليها دراسات الدارسين، فلا دراسة صحيحة مع
غياب النص الصحيح المحرَّر. وكم رأينا من دراسات انتهت إلى نتائج غير صحيحة،
لإنها اتكأت على نصوص محرفة، وأوضح ما نرى هذا في الدراسات الشعرية التي
قامت على دواوين شعرية غير محققة.
والتحقيق في اللغة: التصديق أو قول الحق، والِإحقاق: الِإثبات، يقال:
احققت الأمر إحقاقاَ: أي أثبته وأحكمته وصححته. والجاحط يسمى العلماء
الأثبات: العلماء المحقين. (رسالة فصل العداوة والحسد- رسائل الجاحط
1/ 339)، والشريف الرضي يسفيهم " العلماء المحفيين " (حقائق التأويل ص 0 2).
والتحقيق في اصطلاح نشر التراث: "هو أن يؤدَّى الكتاب أداء صادقاً كما
وضعه مؤلفه كماً وكيفاً بقدر الِإمكان"، والكتاب المحقق: "هو الذي صج عنوانه
واسم مؤلفه ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها
مؤلفه ".
ولتحقيق هذه الغاية لا بد من إجراءات علمية تدور على النقاط التالية:
1 - تحقيق عنوان الكتاب.
125

الصفحة 125