كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

ومدفوعين بروح عربية إسلامية عارمة، استهدفت إذاعة النصوص الدالة على عظمة
التراث، الكاشفة عن نواحي الجلال والكمال فيه. ومن أعظم آثار هذه المرحلة
تحقيق هذه الكتب العالية: الرسالة، للشافعي، وطبقات فحول الشعراء، لابن
سلام، والبيان والتبيين، والحيوان، للجاحظ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة،
وإعجاز القراَن للباقلاني. وقد أثرت هذه المرحلة تأثيراً كبيراَ، في كل مكان نشر فيه
تراث عربي.
وفي العفود الأربعة الأخيرة افسحت الجامعات العربية صدرها لتحقيق
المخطوطات سبيلاَ للحصول على الشهادات الجامعية العليا (ماجستير - دكتورا 5)،
لكن الجامعات العربية حين فعلت ذلك لم تزود الطالب بما يعينه على تحقيق ذلك
النص، من معرفة لمناهج التحقيق، وقراءة المخطوطات المشرقية والمغربية، وتوثيق
النقول وتخريج الشواهد، وصنع الفهارس، وحدود التعليق على النص، والتقديم
له، ثم الوقوف على أمهات المراجع العربية، في فنون التراث المختلفة، ومعرفة
التعامل معها، والِإفادة منها.
وكان مأمولاَ أن تثمر تلك الجهود التي بدأها شيخنا عبد السلام هارون
رحمه اللّه، في دار العلوم، والأستاذ مصطفى جواد رحمه اللّه، في كلية الاداب
بجامعة بغداد، تلك الجهود التي استهدفت تعريف الطلاب بفن تحقيق النصوص
ومناهجه، من واقع تجارب الشيخين، ولكن تلك الجهود، لم تتم ولم يكتب لها
الشيوع. ولم تبق إلا تلك الِإشارات العاجلة الخاطفة عن تحقيق النصوص، والتي
تجيء في ثنايا مادة "مناهج البحث " التي تدرس للطلبة في السنة المنهجية المؤهلة
للدراسات العليا، ومعظمهما مما يسقط إلى اساتذة هذه المادة من الترجمات
الغربية، ومن منظور استشراقي بحت. فلم يجد الطالب الذي يتصدى لتحقيق نص
سبيلاً أمامه إلا أن يركض هنا وهناك، ويتخبط بين منهج ومنهج ولا يخرج بشيء،
لأنه دخل بغير شيء.
وقد كان موقف بعض الجامعات العربية من تحقيق النصوص، موقفاَ غريباً
129

الصفحة 129