كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
العربية الذي التقى به في السنة الثالثة الابتدائية، وذلك ما أملاه عليهم عن " إذا" و" أنها
ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه ". ثم تساءل الدكتور
الفاضل عن جدوى تلك العبارة لا سيما والمتلقي طفل في الحادية عشرة من عمره؟
وعقب فقال: " وإني لأدعو القارىء إلى استعادة ما أسلفناه، وهو أن العربي إذ يحيا
حياته حاملاً في رأسه هذا الذي قيل له عن كلمة " إذا" وما تؤديه، فإنما هو يحيا حاملاَ
معه نتفة من الماضي، لكنها نتفة عسيرة الهضم، قد تصيب المعدة بالأذى، وأما
اليقين عنها فهو أنها لن تنفع حاملها غذاء يقتات منه ليكون عربيّاَ موصول الهوية
بماضيه، فإذا تصورنا أن مئات الألوف ممن يعدون بين حملة العلم في بلادنا يحيون
وهم يحملون في رؤوسهم اطناناَ من أمثال هذه "المعرفة" التي إن صلحت في
الأركان الأكاديمية المعزولة عن الهواء الطلق فهي لا تصلح لحياتنا الناهضة وسيلة
حفز ودفع وتحريك ".
هذا كلام الدكتور الفاضل، وفيه من سلطان الذكاء وقوة العارضة ومن بريق
العذوبة والحلاوة ما ترى! ولكنه عند التحقيق منقوض ومردود عليه. والأستاذ
الدكتور زكي نجيب محمود رمز من رموز فكرنا المعاصر، وهو أيضاً واحد من هذا
النفر الكريم الذين أسهموا إسهاماَ واضحاَ في نشاط "لجنة التأليف والترجمة
والنشر"، هذه القلعة الضخمة من قلاع الفكر العربي.
فأقول: إن هذا المثال الذي ذكره الدكتور، ورأى فيه أساس الداء ومدخل
البلاء في تعلم العربية: " إذا. . . ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب
بجوابه ". . . هذا المثال يستدعي - بلا ريب - عند بعض الفراء امثلة أخرى من بابه،
ضاقوا بها أشد الضيق حين تلقوها أول مرة، وخاصة إذا لم يشتغلوا بالعربية وقضاياها
فيما استقبلوا من أيام وما صرفوا من اهتمامات، لكنه في الوقت ذاته وبالفدر نفسه
عتد من اشتغلوا بالعربية، وجعلوها ميداناً لدراساتهم وأبحاثهم فيما بعد: يذكر بأيام
زاهية جادة صارمة وضع فيها الأساس متيناً صلباَ، فقام البناء عالياَ شامخاً، "وإنما
يمدح السوق من ربج " كما تقول العرب في أمثالها.
142