كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
لحم خرساء تدور في جوبة الحنك " كما يقول شيخنا محمود محمد شاكر - في سيالتى
آخر.
ومثل ذلك يقال في نحوفي خالطت بشاشة النحو قلبه، وخبر سواده وبياضه
(زعم)، أسهر فيه ليله، وأدأب له نهاره، حتى ظن أنه ملك نحاصيته: قواعد
وخلافيات ونقداً، فإذا أخذ في كلام، أو أدار قلمه على بيان خلَّط واعتسف واخطأ،
وما اتي هذا النحوي وذلك الأديب إلا من قبيل الِإغرالتى في النظريات والمناهج
والقواعد، واطراح الحفظ، وهجر النصوص، وإهمال التطبيق.
وفد سرى هذا الداء الخبيث إلى علمين جليلين في تراثنا - وما كان ينبغي ان
يسري إليهما، لأنهما ملاك الأمر كله - وهما التفسير والحديث، ففي ميدان التفسير
فد تصادف دارساً يحدئك بإفاضة وإحاطة عن مدارس التفسير واتجاهاته، من تفسير
بالمأثور إلى تفسير بالرأي، والتفسير الموضوعي للقرآن، والتفسير الفقهي، والتفسير
الِإشاري الصوفي، إلى اَخر هذه القائمة، فإذا طلبت منه تفسير شيء من كتاب اللّه لم
تظفر منه بشيء إلا شيئاً لا يُعباً به. . . وقد اختفت تلك الصورة الجليلة النبيلة، حين
كنت تستوقف شيخاً فاضلاَ عقب صلاة الجمعة، او في طريق عام، فتسأله عن آية من
كتاب الله فإذا انت أمام علم حاضر وإجابة شافية.
وقل مثل هذا في حديث سيدنا رسول اللّه لمجي!، فقد اشتغل به كثير من طلبة
العلم الان: دراسة نظرية، تعنى بتدوينه وعلومه وتصانيفه من الصحاح
والمسانيد. . . إلى غير ذلك مما كان يعرف قديماَ بعلم "الدراية "، لكنك قل أن تجد
منهم من اعتنى بهذا العلم الجليل "رواية " من حيث حفظ المتون وإتقان الغريب.
وقد أدى هذا الأمر إلى مصيبة كبرى اجتاحت بعض الشباب المسلم المحب
لحديث المصطفى جمي!، ومعرفة السنة المطهرة، فقد اتجه كثير منهم في هذه الأيام
إلى طلب معرفة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتجريح الرواة وتعديلهم - وهذا
بحر لا ساحل له، ولا يقوى عليه إلا أولو العزم من الرجال - وقد صرفوا في ذلك
جهوداً كثيرة كان الأولى أن تصرف إلى قراءة صحيحي الِإمامين الجليلين: البخاري
148