كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
ومسلم، وبقية الكتب الستة التي هي دواوين السنة، ثم بعض المسانيد الأخرى،
قراءة فهم وبحث وإمعان، فإذا أتقنوا ذلك كان لهم ان يبحثوا في الضعيف
والموضوع، وقد بلغت السفاهة ببعضهم أن يقول عن حديث روا 5 الِإمام الجليل
أبو عبد اللّه البخاري: "صحَّحه فلان " يشير إلى أحد العلماء المعاصرين. أفبعد
إخراج البخاري للحديث، يقال: صحَّحه فلان؟
إن الِإسراف في النظريات والمناهج هو الذي أضعف إحساس أبنائنا بالعربية
الأولى، وهو الذي اورثهم العجز الذي يأخذ بألسنتهم وأقلامهم، فلا يستطيعون قولاً
ولا بياناً.
على أن هذا الذي ذكر 5 الدكتور الربيعي، والذي ذكرته أنا، يرجع إلى أننا
اهملنا جوانب ضرورية في تعلم العربية. ومن هذه الجوانب التي أهملت جانب
النصوص أو الحفظ. . . فإنه يشيع في أيامنا هذه كلام عجيب، يبغض إلى طالب
العربية "الحفظ" ويزهد 5 فيه، بل إن الأمر قد تعدى ذلك إلى تثبيت قاعدة تجعل
"الحفظ" مقابل "الفهم" وأن الطالب الذي يحفط "صمام" وغير قادر على الفهم
والاستيعاب، ونقرأ لمسؤول كبير عن التعليم في مصر قوله: "ولا بد أن يدرك
الطالب أن زمن الحفظ والصمامين قد انتهى ".
تراثنا قائم على الرواية:
وهذا الكلام إن صدق على العلوم المعملية والتطبيقية، لا يصدق على علوم
العربية، من أدب وبلاغة ولغة ونحو، وذلك لأن تراثنا كله قائم على الرواية
والدراية، والرواية مقدمة، ولذلك قالوا: "الرواية من العشرين والدراية من
الأربعين ". والجوهري صاحب "الصَّحاح" يقول في مقدمته: "قد اودعت هذا
الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة. . . بعد تحصيلها بالعراق رواية وإتقانها دراية ".
وقد وصل إلينا ترائنا في اول أمره عن طريق الحفظ والرواية، فقد وعته صدور
الرواة والنقلة، وسفَمته أجيال إلى أجيال، حتى أظل زمان التدوين والكتابة، فالحفظ
149