كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

هو الأساس، وقد حثوا عليه ومدحوا أهله، فروي عن الأصمعي انه قال: "كل علم
لا يدخل معي الحمام فليس بعلم ". ويريد أنه حافظه ومستحضره في كل وقت وعلى
كل حال. وقال محمد بن يسير - من شعراء الدولة العباسية الأولى:
أ أشهد بالجهل في مجلس وعلمي في البيت مستوح
إذا لم تكن حافظاً واعياً فجمعك للكتب لا ينفع
وقال بعض أهل العلم:
حفط اللغات علينا فرض كفرض الصلاة
فليس! يُضبط دين إلا بحفط اللغات
ولولا الحفظ في تاريخنا التراثي لما أمكن لهذه الطائفة من عباقرة العربية
العميان أن يسجلوا لنا هذا القدر الضخم من المعارف الِإنسانية، كالذي نقراه عند
ابي العلاء المعري - وأبو العلاء فوق شاعريته صاحب لغة ونحو وصرف
وعروض -، وابن سيده صاحب المحكم والمخصص، والِإمام الترمذي صاحب
السنن، وغيرهم كثير، مما ذكره صلاح الدين الصفدي في كتابه الطريف "ممْت
الهِمْيان في نكَت العميان ". وحسبك بقراء القرآن وعلماء القراءات، كالشاطبي
صاحب المنظومة الشهيرة في الفراءات السبع المسمَاة: "حرز الأماني ووجه
التهاني ". وفي هذا العصر الحديث يأتي الدكتور طه حسين - رحمه اللّه - على رأس
أفذاذ العميان المعاصرين.
إن طبيعة تعلم العربية تقتضي حفط كثير من النصوص لتثبيت القواعد والتمكين
للأبنية والتراكيب في ذهن طالب العلم. وقد قيل - الحفظ الِإتقان - وذلك ما رواه
أيوب بن المتوكل قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان الرجل من أهل
العلم إذا لقي من هو فوقه في العلم فهو يوم غنيمته، سأله وتعلم منه، وإذا لقي من
هو دونه في العلم علمه وتواضع له، وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه.
وقال: لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالسْاذ من العلم، ولا يكون إماماً في العلم
150

الصفحة 150