كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
الحديثة من أن كتب التراث ذات الموضوع الواحد تتشابه فيما بينها، وأن غاية اللاحق
أن يدخل على ما تركه السابق، يدور حوله ويردد مباحثه وقضاياه، ثم أفضى ذلك
الزعم إلى دعوة صاخبة تنادي بغربلة التراث وتصفيته، بالِإبقاء على النافع المفيد،
وترك ما عداه قابعاَ في المتاحف، كمومياء الفراعنة، يذكر بتطور الخطوط وقواعد
الرسم والكتابة وتاريخ صناعة الورق. وسوف نقول وقتها: إننا نحافط على تراثنا من
عوامل البلى والفناء، ونتعهد 5 بالمبيدات والكيماويات الحافظة، فنؤكد بذلك انتماء
كاذباَ وولاء مدخولاَ، ونكون كالذين يحتفظون في بيوتهم بصحيح البخاري التماساَ
للبركة وطرداً للعفاريت والأرواح الشريرة.
وفي هذا المجال أيضاَ ينبغي أن نستبعد من منهجنا نظرية تقسيم عصور الفكر
العربي إلى عصور علو وانحطاط، وألا ننظر إلى كتب المتأخرين وأصحاب
المختصرات والذيول والحواشي على انها من الفضول والحشو. فلو لم يكن في
تصانيف السيوطي والبغدادي والخفاجي والمحبي والشوكاني إلا أنها حفظت لنا
كثيراَ من علم الأوائل الذي اغتالته غوائل الناس والأيام، لكان ذلك من اكبر الدواعي
إلى حفطها والعناية بها. على ان تراثنا لم ياخذ مكانه - عند التأمل والِإنصاف - إلا
بما صنفه الأوائل، مضافاً إليه تلك الشروح والمختصرات والذيول والصلات
والحواشي والتقريرات. وهذا حديث طويل.
وليست المختصرات عند علمائنا كما هي في تصورنا هذه الأيام: إيجازاً
وضغطاَ للكتاب الكبير، بحذف الأسانيد والمكرر. . . ونعم إنها قد تكون كذلك،
لكن مع الرؤية الخاصة للمختصِر، بإضافته أو نقده، وإليك مثالاً واحداً على ذلك:
كتاب "الأغاني " لأبي الفرج الأصبهاني، اختصر 5 ابن منظور صاحب " لسان العرب "
فيما سمَّا 5: "مختار الأغاني ". وفي الجزء الثالث من هذا "المختار" نجد ترجمة
موسعة جداً لأبي نواس، تضمنت اخباراَ وأشعاراً لأبي نواس، لا تجدهما في
الأصل "الأغاني ". وكذلك صنع ابن منظور في ترجمة " جميل بن معمر" حيث أورد
له بعض أشعار وأخبار لم ترد في 9 الأغاني ".
162