كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
الكتب المصرية تمثل من هذه المراحل مرحلة متميزة غاية التميز، هي بالقياس إلى ما
سبقها من مراحل تمثل مرحلة النضج والكمال، من حيث استكمال الأسباب
العلمية، واصطناع الوسائل الفنية المعينة على إخراج التراث إخراجاً دقيقاَ، يقوم
على جمع نسخ الكتاب المخطوطة، والمفاضلة بينها، ثم اتخاذ إحدى النسخ أُمّاً
أو أصلاً، وإثبات فروق النسخ الأخرى، وما يتبع ذلك من إضاءة النص ببعض
التعليقات والشروح، وصنع الفهارس التحليلية الكاشفة لكنوز الكتاب، وما يسبق
ذلك كله من التقديم للكتاب وبيان مكانه في المكتبة العربية، وموضعه من كتب الفن
الذي يعالجه، تأثراَ وتأثيراً، ثم الترجمة لمؤلفه.
ولا بد من الاعتراف بأن ذلك المنهج الذي أضَلته مدرسة دار الكتب المصرية
للمحقتهين العرب، قد تأثر إلى حد ما بمناهج المستشرقين الذين شغلوا بتراثنا،
ونشطوا لِإذاعته ونشره، منذ القرن الثامن عشر الميلادي او قبله بقليل.
المكتبة الزكية:
وكان صاحب الفضل في مد الجسور بين مصر وأوروبا -فيما يتصل بنشر
التراث - احمد زكي باشا، الذي اتصل بعلماء الاستشراق، ومثّل مصر في
مؤتمراتهم. وهذا أحمد زكي باشا رجل من رجال مصر الا! ذاذ، كان من كبار الكتاب
والخطباء، ولد بالِإسكندرية عام 1867 م. وتخرج بمدرسة الحقوق بالقاهرة، واتقن
الفرنسية، وكان يفهم الِإنجليزية والِإيطالية، وقام بفكرة إحياء الكتب العربية،
واحكم صلته برجالات العرب في جميع اقطارهم. وكان شديد الحب للعربية،
ولقب نفسه بشيخ العروبة، وسمَى داره بيت العروبة، وجمع مكتبة في نحو عشرة
آلاف كتاب، ووقفها، فنقلت بعد وفاته إلى دار الكتب وسميت فيها: المكتبة الزكية،
توفي سنة 1934 م.
يقول عنه شيخي عبد السلام هارون رحمه اللّه: " ولعل اول نافخ في بوق إحياء
التراث العربي، على المنهج الحديث في مصر، هو المغفور له أحمد زكي باشا،
الذي قام بتحقيق كتاب " انساب الخيل " لابن الكلبي، و"الأصنام" له أيضاً، وقد
171