كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
الشيباني وابن السكيت وثعلب والسكري. وقد قدم هؤلاء مادة لغوية غزيرة من خلال
شرح ما صنعوه وما جمعوه من شعر.
هذا إلى اهتمام علماء كل فن وعلم باللغة، يقدمونها أمام كل بحث، ويُعْنَوْن
بها قبل كل كلام. ولا عجب في هذا، فاللغة هي المدخل الحقيقي لمعرفة علومنا
كلها وتاريخنا كله، والاستهانة بها والتفريط في قواعدها ورسومها إنما هي استهانة
وتفريط بمعارفنا وعلومنا كلها.
وقد انتهى إلى ابن منطور حصاد طيب في التصنيف المعجمي، نظر فيه واستصفى
منه خمسة كتب بنى عليها معجمه، وهذه الكتب بحسب ذكره لها: تهذيب اللغة للأزهري
(370 هـ)، المحكم لابن سيده (458 هـ)، والضَحاح للجوهري (حدود 0 40 هـ)،
والحواشي عليه لابن بَرِّي المصري (582 هـ) وتسمى هذه الحواشي: التنبيه والِإيضاح
عما وقع في الصَّحاح. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (06 6 هـ).
وتمثل هذه المراجع الخمسة ثلاث مدارس في التاًليف المعجمي: المدرسة
الأولى، مدرسة ترتيب المواد اللغوية وفق مخارج الحروف، وهي مدرسة الخليل بن
احمد، ويمثلها من هذه الكتب: التهذيب والمحكم. والمدرسة الثانية: التي ترتب
المواد على الجذور اللغوية (أصل الاشتقاق) واعتبار الحرف الأخير منها باباً،
والحرف الأول فصلاً، مع مراعاة الترتيب الألفبائي فيما بين حرفي الباب والفصل.
ويمثل هذه المدرسة الضَحاح وحواشيه. والمدرسة الثالثة: التي ترتب المواد وفق
الأول والثاني والثالث. ويمثلها النهاية.
وقد ارتضى ابن منطور من مناهج هذه المدارس منهج المدرسة الثانية، مدرسة
الصَّحاح، ورتب كتابه على أساسها، وأخضع المدرستين الأخريين لها. وقد صدَّر ابن
منظور معجمه بمقدمة أبا ن فيها عن منهجه، وانبأنا انه تغيَّا من تأ ليفه هذا غايات ثلاثا:
الغاية الأولى تعليمية، وتمثلت في نقده لطريقة ترتيب المواد وفق المخارج،
ويصف ذلك بقوله: إنه "مطلب عسر المهلك، ومنهل وعر المسلك، وكاًن واضعه
شرع للناس مورداً عذبأ وحلأَّهم عنه ".
179