كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

ومع غزارة هذه المعارف التي يقدمها لنا الكاتب، ونفاستها، فهو لا يدل بها
على قارئه، ولا يسوقها في موكب تتقدمه الخيالة، ويحف به راكبو الدراجات،
وتكتنفه دقات الطبول، كما يفعل كثير من الكتاب الان، وإنما يأتيك كلامه سهلأ
رهوا، يتهادى في إهاب الكرامة والتواضع والِإسماح، وعليه من العلم بهاؤه، ومن
الجد اماراته، بأسلوب عذب مصفى، أسلوب كاتب يحترم عقل قارئه، ويريد إمتاعه
لا التعالي عليه.
يقول في الفصل الثاني - الأعجمي المعنوي والأعجمي العلم - في مناقشة
المفسرين الذين اعتمدوا في تفسير أسماء أنبياء بني إسرائيل على المعجم العربي
وحد 5، يقول: " وأنا أيها القارىء العزيز - إن كنت لا تعرف عبرية التوراة أو يونانية
الأناجيل -، بما في هذه وتلك من أعلام آرامية بل ومصرية احياناً - لا أريد أ ن
يفوتك شيء من حلاوة بحث أريد أن أحبر 5 لك تحبيراً: أريد منك أن تشترط علي
توثيق ما احدثك به، فلا أكيل لك القول جزافاًاَمنا ألا تكشف زيفي، لأنك لا تعلم
شيئا من امر تلك اللغات التي ذكرت لك، ليس هذا من العلم في شيء، وإنما هو من
التدليس ".
إن في هذا الكتاب علماً كثيرأ، وإن فيه خيراً كثيراً، وإن علطِ نوراً كثيراً، وما
أظن ذلك كله قد كان إلا لأن مؤلفه قد تغئا به غايات نبيلة: هي خدمة كتاب اللّه،
بالكشف عن نواحي إعجاز جديدة فيه، والأمور بمقاصدها، يقول تاج الدين
السبكي: "ولفد حصل أبو زُرعة على أمر عظيم ببركة حفظه للحديث، وهكذا رأينا
من لزم باباً من الخير فُتج عليه غالباً منه".
ويفول عبد اللطيف البغدادي: "اعلم أن للدين عَبْقة وعَرْفاً ينادي على
صاحبه، ونورا وضيئأ يشرف عليه ويدل عليه ".
ويقول أبو الحسن العامري: " إن الدين كريم الصحبة، يعز من لجأ إليه، ويستر
عيوب من اتصل به، مع ما يُذخر له في عاقبته من الغبطة الأبدية ".
278

الصفحة 278