كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
إن الشيخ الشعراوي قد نجج فيما عجز عنه غيره، فإننا على كثرة ما كتبنا عن
الِإعجاز القرآني وعبقرية اللغة العربية لم نستطع أن ننزل بهذه القضايا إلى عامة
الناس، وظلت هذه القضايا دائرة بيننا، يدخل اللاحق على السابق، وكأننا نحدِّث
بعضنا بعضاَ.
وبَدْءة ذي بدء، فإن الشيخ يصرح بضرورة استقبال القرآن بملكة اللغة، ليخرج
المستشرقين وأمثالهم من أعاجم العرب الذين كتبوا في الدراسات القرآنية وهم
بمعزل عن فقه اللغة، ثم يقول: إن هؤلاء أخذوا اللغة صناعة، ولم يأخذوها ملكة.
وما من آية من كلام ربنا عزَّ وجلّ يعرض لها الشيخ بتفسير وبيان إلا وأفاض في
قضايا اللغة، بادئاَ بتاًصيل الكلمة صرفاَ واشتقاقاَ، على المنهج الذي أصله ابن فارس
في "مقاييس اللغة "، وابن جني في "الخصائص" بالقدر الذي تطيقه العامة وتدركه
الخاصة، وقد نجج في ذلك نجاحاَ ظاهراَ. وعلى سبيل المثال فحين عرض لتفسير
قول اللّه تعالى: " وَلَا ئَقفُ مَا لتسَ لَكَ بِهِ-عِلْر" 1 الِإسراء: 63،، ذكر أن القفو اتباع
شيء لشيء، وقال: إن من ذلك "القفا" هذا المعروف، لأنه يقفو الوجه، اي يتبعه،
وقافية البيت في الشعر؟ لأنها تقفو سائر الكلام اي تتبعه.
ويقف الشيخ كثيراَ عند معاني الحروف واثرها في الدلالة، ووضع بعضها مكان
بعض، كقوله تعالى: " أَرضَيتُو بِاَئحَيَؤةِ ألذيا مِفَ أ لأَخِرَح! 1 التوبة: 38،، فإن
معنى "من" ها هنا معنى "بدل"، وقوله تعالى: " بِأَنَّ رَتَث أَؤحَن لَهَا ا"*؟ *2"
1 الزلزلة: 5)، فتعدى الفعل هنا باللام، مع أنه جاء معدى بإلى في اَياب كثيرة،
كقوله تعالى: " وَأَؤحَى رَفُّيَ إِلَى اَلخَلِ " أ النحل: 68)، وقوله: " وَأَؤحَينَا إَك أُصِّ! سَى أَن
أَزضِعِيه " 1 القصص: 7،، وقوله تعالى: "وَإِت رَئَبَث لَذُو مَففِرَه لِّنَاسِ عَكَ ظُد! وْ"
1 الرعد: 6)، ولم يقل "مع ظلمهم ". و"علم معاني الحروف " علم ضخم من علوم
اللغة، والمؤلفات فيه كثيرة، والعناية به واجبة، والشيخ دائم الحديث فيه.
وللشيخ احتفال زائد بالفروق اللغوية، في الأبنية: كعالم وعليم، وشاكر
وشكور، وهو الفرق بين اسم الفاعل، وأمثلة المبالغة المأخوذة منه، وكعَدْل وعادل
282