كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

بعروقها. ولست تجد هذه الألفاظ والتراكيب في النصوص الأدبية فقط، من شعر
ونثر، بل إنك واجدها في علم الأنساب والتاريخ والجغرافيا، وكتب الفلك والطب
والفلاحة والزراعة، وسائر ما كتب الأوائل.
وينادي بعضهم الان بهجر هذه اللغة القديمة وتبني لغة واقعية كالتي تقرأ في
الصحافة ووسائل الِإعلام، حتى لا يشعر التلميذ بفجوة بين الذي يفراه في النصوص
القديمة، وبين ما يسمعه في واقع الحياة من تلك اللغة التي تلبي احتياجاته.
وحجة هؤلاء ان لكل عصر لغته واعرافه، وهي حجة داحضة اتنبيه: حجة
داحضة هذه من التعبيرات القرآنية، فلا بأس علي في استعمالها إن شاء الله،، ومردود
عليها من اكثر من وجه. لكني أسأل: إذا نحن رثينا ابناءنا على هذا المنهج المقترح،
وسلخ التلميذ من عمره ما سلخ في المراحل: الابتدائية والِإعدادية والثانوية، ثم
دخل كلية جامعية تعنى باللغة والأدب، مثل دار العلوم أو الَاداب، فماذا هو صانع
مع مناهج هذه الكليات، التي تدور حول قضايا اللغة قديماً وحديثاَ؟ نعم ماذا يصنع
ذلك التلميذ مع مناهج هذه الكليات، وقد دخلها مُفَزَغاً خالي الوفاض؟ إلا إذا غيرنا
مناهج اللغة ايضاً في هذه الكليات حتى نُضيِّق الثغرة بين اللغة العربية كما تقدمها
النصوص وبين اللغة العربية في واقع الحياة -كما جاء في أخبار الأدب - العدد
التاسع 12 سبتمبر 1993 ص 26.
إن للغة جانباَ تاريخياً يجب الحرص عليه ومعرفته، ثم إن اللغة ممتدة مع
اصحابها لا تموت ولا تفنى، وليست اللغة للتفاهم وقضاء المصالح فقط، وإلا لكان
القَدْر اللازم لنا منها محدوداً جداَ، ولكان الذي يعرف خمسمائة كلمة إنجليزية تلئي
احتياجاته في متاجر لندن وشوارعها عالماً باللغة الِإنجليزية.
ولقد كان غريب اللغة الذي هو الفصيج الرفيع مألوفاً للناس إلى عهد قريب،
في خطبة الجمعة، وفي الكتاب المدرسي والكتاب الجامعي، ثم على السنة
المحاضرين واقلام الكاتبين، ئم هجره الناس هجراً غير جميل، ثم جاء الشيخ
284

الصفحة 284