كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

الشعراوي فردنا إليه رداَ جميلاَ، وكان اول عهد الناس معه حين عرض لحديث
هند بن ابي هالة في وصف خَلْق رسول الله! شير.
وفي هذا الحديث غريب كثير كشفه الشيخ غاية الكشف، وأبان عنه غاية
الِإبانة. وبعض ما يعرفه الشيخ من غريب الكلام مما يدِق ويغمض على كثير من
الناس، بل إن بعض المثقفين يُصَحفه لخفاء معنا 5 عند 5: سمعت الشيخ ذات يوم في
4
حلقة من حلفات يوم الجمعة يُنْشِد قول الشاعر الأموي عروة بن اذينة:
لقد علمت وما الِإشراف من خُلُفي أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
اسعى له فيعئيني تط! به ولو قعدت اتاني لا يعئيني
هكذا انشد الشيخ "وما الاشراف " بالشين المعجمة، وهو صواب إنشاد 5،
ومعناه: إني لا استشرف ولا اتطلع إلى ما فاتني من امور الدنيا ومكاسبها ولا تتبعها
نفسي. وبعضهم لا يعرف هذا المعنى الغريب فينشد 5: "وما الِإسراف" بالسين
المهملة مُصَخفاَ ومُزالاَ عن جهته، وكأن الذي زين له ذلك وجود الكلمة في سياق
الرزق.
وقد امتدت عناية الشيخ ايضاَ إلى النحو، وهو علم التراكيب، وشانه خطير،
يقول أبو العباس ثعلب: "لا يصح الشعر ولا الغريب إلا بالنحو، النحو ميزان هذا
كله "، والشيخ لا يكاد يخلي حلقة من حلفاته من شيء من دقائق هذا العلم الجليل.
ففي قوله تعالى: " وَجَمَلَ! لِمَةَ اَلَذِيف! فَرُوأ ألشُفك وَ! لِمَةُ اَدئَهِ
هاَ! أ" 1 التوبة: 0 4)، حيث جاءت "كلمة " الأولى بالنصب، و" كلمة " الثانية
بالرفع، يفول: لماذا لم تُعطف الثانية على الأولى فتكون منصوبة مثلها؟ ثم يجيب:
لأن كلمة اللّه اصلاَ عالية ثبوتاَ ولزوماَ، فهي لا تُجعل. وهكذا يربط الشيخ بين
الِإعراب والمعنى في هذه الاية الكريمة، وفي غيرها من الايات.
ومن وراء اللغة وقضاياها يتقدم الشيخ إلى الناس بثقافة العالم الأزهري
المتمكن من علوم العربية كلها، لأن العربية عند أهل العلم كتاب واحد، فيُلم الشيخ
285

الصفحة 285