كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
المشاهير فقط، بل يشمل أيضاًالشعراء المقلين المغمورين، وقد سبق استشهاده
بشعر عروة بن اذينة، أما ذلك الشعر الذي يُعرف بشعر المذاكرة والمجالسة، وهو ما
يُتَمَثَّل به في المواقف واحوالى الناس وتقلبات الزمان، فعند الشيخ منه الكثير من
مختلف العصور، وأذكر أن الشيخ في بعض دروسه ولقاءاته وقف عند ما يلقاه الناس
من العداوات وبَغْي بعضهم على بعض، وعلى عادة الشيخ في استخراج الحسن من
السيىء، واستنباط الخير من الشر، قالى: إن عداوة الناس قد تأتي بالخير. . .
واندفع في كلام طويل، وهنا قفز إلى ذهني بيتان في صميم ذلك الكلام لأبي حيان
النحوي، وإذا بالشيخ يُنشدهما، وذلك قولى ابي حيان:
عِداتي لهم فضل علي ومنة فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
فقلت: سبحان الله! اي قراءة قرا هذا الشيخ؟
وحفظ الشعر واستدعاؤه ضروري في تفسير كلام الله عر وجلّ. يقولى الِإمام
مجد الدِّين ابن أبي الفرج الرُّوذْراوري المتوفى سنة 667 هـ: " ومن ظن أن القرآن
يُفهم كما ينبغي من غير تحقيق كلام العرب وتتبع اشعارهم وتدبرها كما يجب فهو
مخطىء. كان ابن عباس - رضي اللّه عنه - حبر هذه اللأمة ومفتيها ومفسر القرآن،
وقد قالى تلميذه عكرمة: إنه كان إذا سئل عن مشكل فى القرآن يفسره ويستدلى عليه
ببيت من شعر العرب، ثم يقولى: " الشعر ديوان العرب ". وانظر: العمدة في محاسن
الشعر وآدابه ونفده لابن رشيق 1/ 30.
وبعد: فهذا شيخ جليل جاء على حين فترة من العلماء الحفاظ الضابطين، وهو
يمثل صورة زاهية للعالم الأزهري المؤسس على علوم العربية وقوانينها، من حفظ
المتون، وإتقان التعريفات، والصبر على المطولات، والنظر في الحواشي
والتعليقات والتقريرات، فإذا ثبت هذا - وهو ثابت إن شاء اللّه - فلم ينصف الشيخ
من يقولى عنه: إنه ملهم لا غير، وإن ما يقوله إنما هو من باب العلم اللدنيِّ، فهذه
289