كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

رابعاً: إن الخدمة الحقيقية لتاريخنا إنما تكون بجمع مخطوطاته التي لم تنشر،
ئم تحقيقها وتحقيق ما نشر من قبل غير محقق، وفق الأصول العلمية الصحيحة، ثم
فهرسته الفهرسة العلمية الفنية، التي تضم النظير إلى النظير، وتقرن الشبيه إلى
الشبيه، وستكون هذه الفهارس الفنية الكاشفة عدة وعوناً للدراسات والبحوث التي
لا تفوم إلا على النص الموثق المحرر.
أما ما يقال عن غربلة التاريخ الِإسلامي وتصفيته من الأخطاء والأوهام،
وتخليصه من محاباة الحكام والملوك، وتنقيته من مظاهر الِإسراف والمبالغات، ثم.
ما يقال لك من أن ماضينا غارق في الظلمات، وأن تاريخ الدول يكتب في غير أوانه،
كتاريخ الدولة الأموية الذي كتب في أيام الدولة العباسية: فكل أولئك من الكلام
الذي يرسل إرسالا، لتملأ به مجالس السمر، ويتخذ سبيلأ لادعاء العلم.
الهجوم على التاريخ والمؤرِّخين:
لقد تعزَض التاريخ الِإسلامي والمؤرخون المسلمون لكثير من الحيف
والعدوان، وكان اعجب ما قيل: "إن التاريخ صنع للحكام والملوك، ولم يرصد
نبض الشعوب وأشواقها"، وبمئل هذه الألفاظ البراقة الخادعة يستميلون الشباب
ويوقعونهم في قرار مظلم من الافتتان الكاذب والشك الموبق.
إن هذه القضية ينبغي أن تناقش على وجهها الصحيح، ويبدو أن كثيراً من كتابنا
المعاصرين قد خلطوا بين كتب التاريخ العام -أحداثا وتراجم - وبين كتب
المناقب. فكتب التاريخ العام إنما ترصد الحوادث والأحداث بصورة عامة وشاملة،
ويدخل في نسيجها اخبار الخلفاء والملوك لا محالة، ويظهر لك هذا المنهج بوضوح
في كتب التاريخ المرتبة على السنين "الحوليات "، وكذلك في كتب التراجم العامة،
وتأمل مثلأ كتاب "سير اعلام النبلاء" للذهبي، و"الوافي بالوفيات " للصفدي،
و "وفياب الأعيان " لابن خلكان، وسترى ان تراجم الخلفاء والوزراء إنما تأتي في
ترتيبها الالف بائي ليس غير، بل إن بعض تراجم هؤلاء الخلفاء والوزراء تأتي أحياناَ
خافتة وموجزة إذا قيست بترجمة عالم معاصر لهم، كالِإمام أحمد بن حنبل مثلاَ،
305

الصفحة 305